الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٥٥
في المحرمات على حد قولهم فلان يركب الخيل إذ لو حمل الجمع المعرف في المقامين على ظاهره من العموم الحقيقي لكان المعنى من ارتكب جميع الشبهات وقع في جميع المحرمات وهو غير صحيح لان ارتكاب جميع الشبهات متعسر أو متعذر عادة فلا فائدة في التعرض لحكمه مع أن ارتكابها لا يوجب الوقوع في جميع المحرمات كما لا يخفى وأما الثاني فلان الواقعة متى كانت شبهة ولو من حيث الخصوصية اندرجت تحت عموم الرواية وحرم ارتكابها فلا يعقل إباحتها من حيث العموم للزوم التناقض إلا أن يلتزم باعتبار الحيثية جهة في القصد لا لثبوت الحكم وهو كما ترى لكن المجيب لم يلتزم بحملها على التحريم بل حملها على الكراهة والتزم في كل مشتبه بجهتين فقال يستحب الاجتناب عنه من جهة الخصوصية و يجوز ارتكابه من جهة عموم الأدلة فيما لا يعلم وينبغي أن يكون مراده بالجواز معناه الأعم ليجامع الاستحباب ويشكل بأن المعقول من الجهة الأولى ليس إلا جهة جهالة الحكم الواقعي وهذه هي الجهة العامة و الموجبة للجواز فلا يختلف الجهة حتى يكون إحداهما منشأ للجواز و الأخرى لاستحباب الترك واعلم أنا لو حملنا الرواية على ظاهرها لدلت على أن ارتكاب جنس الشبهة أو الشبهات التي يتمكن منها المكلف أو الوقوع فيها مظنة لارتكاب الحرام أو موجب للوقوع فيه بحكم العادة وأن اشتباه حكم المحرم لا يوجب زوال حرمة الفعلية بل الحرام الواقعي ثابت على صفة حرمته وإن جهلت وليس لها دلالة على حرمة المشتبه على تقدير عدم حرمته في الواقع بل ظاهرها عدم تحريمه حينئذ كما يستفاد من قوله عليه السلام وهلك من حيث لا يعلم إذ لو كان حراما لكان الهلاك من حيث يعلم وإنما لا يعلم الهلاك على التقدير الأول من حيث عدم العلم بالمحرم فإن الظاهر من الهلاك هنا إنما هو استحقاق العقوبة وهذا خلاف ما اتفقت عليه كلمة الفريقين فيجب ارتكاب التأويل فيها والخروج عن ظاهرها و ليس تنزيلها على معنى يدل على ما ذكروه بأولى من تنزيلها على معنى لا ينافي ما ذكرنا وقد نبهنا على بعض وجوه تنزيلها ويمكن تنزيلها أيضا على معنى أن من لم يبال بارتكاب الشبهات لم يبال بارتكاب المحرمات أما لخاصية في فعل الشبهة مطلقا أو إذا صادفت الحرام وهي كونها مورثة لقساوة القلب و التسامح في فعل المحرم أو لقربها إلى المحرمات فإذا تجري المكلف عليها تجري على فعل المحرمات أيضا فيكون الهلاك باعتبار فعل المحرم دون الشبهة إلا أن وقوعه فيه باعتبار ارتكابه لها فقوله وهلك من حيث لا يعلم معناه ووقع في فعل الحرام المهلك له من حيث لا يعلم لجهله بالشبهة التي أورثت فيه القساوة المذكورة أو لجهله بأن ارتكاب الشبهات تؤدي إلى ذلك فلا يدل على تحريمها ثم اعلم أن هذا الدليل لو تم لدل على تحريم المجهول في الظاهر سواء صادف الحرام الواقعي أو لا وأما القول بتحريمه في الواقع مطلقا فناشئ عن عدم تحقيق الفرق بين الحكم الواقعي والظاهري وقد بينا سابقا أن كل حكم يتعلق بالمكلف لجهله بالواقع حكم ظاهري لا واقعي فالحكم بحرمة غير المحرم للجهل بعدم حرمته حرمة ظاهرية لا غير احتج القائلون بوجوب الاحتياط مطلقا بالعقل والنقل أما الأول فللقطع بثبوت الاشتغال بالأحكام الشرعية فيجب أن لا يحكم بالبراءة إلا بعد اليقين بها ولا يقين إلا مع الاحتياط وأما الثاني فلقوله عليه السلام دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن العمل بالاحتياط مما لا ريب في حصول البراءة به بخلاف غيره فيجب تركه إليه ويدل عليه أيضا قوله عليه السلام أرى لك أن تأخذ بالحائطة لدينك و الجواب أما عن الأول فبأن اليقين بالبراءة إنما يجب تحصيله على القدر الثابت المعلوم من الاشتغال وأما الاشتغال المحتمل فلا يجب تحصيل اليقين بالبراءة عنه وأما عن الثاني فبالحمل على استحباب العمل بالاحتياط دون الفتوى فإن الفتوى بمقتضى الأصل متعينة جمعا بينها وبين ما دل على عدم وجوب الاحتياط كقوله عليه السلام فأنت في سعة حتى تلقى صاحبك مضافا إلى الروايات السابقة المعتضدة بالعقل والشهرة العظيمة مع ما فيها من الملامة للطريقة السمحة السهلة وأجاب عنه المحقق بأنه خبر واحد ولا يعمل بمثله في الأصول سلمنا لكن إلزام المكلف بالأثقل مظنة الريبة لأنه إلزام منه لم يدل الشرع عليها فيجب إطراحها بموجب الخبر وكلا الوجهين ضعيف أما الأول فلان خبر الواحد إذا اشتمل على شرائط القبول صح التعويل عليه في الأحكام الشرعية مطلقا فروعا كانت أو أصولا نعم يتجه المنع هنا من اشتماله عليها كما لا يخفى وأما الثاني فلان الخبر المذكور لم يدل على ترك العمل بما هو محل الريب مطلقا بل إلى ما ليس بمحل الريب فلا بد من إثبات عدم الريب في ترك العمل بالاحتياط حتى يتعين العدول إليه بموجب الخبر احتج القائلون بوجوب التوقف بقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون فإن القول بالبراءة عند الجهل بالحكم اتباع لما علم به وقول على الله بما لا يعلم فيكون حراما بنص الآيتين وقريب منها الآيات الدالة على تحريم الحكم بغير ما أنزل الله حيث إن الحكم بالإباحة فيما يحتمل غيرها يحتمل أن يكون حكما بغير ما أنزل الله فيجب الكف عنه دفعا لخوف ضرر الوقوع في الحرام ولقوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وبظاهر جملة من الاخبار منها قول الصادق عليه السلام في موثقة حمزة بن طيار ولا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمة الهدى الحديث وقول الكاظم عليه السلام في موثقة سماعة ما لكم و القياس إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس ثم قال إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإن جاءكم ما لا تعلمون فها وأهوى بيده إلى فيه و حسنة هشام بن سالم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما حق الله على خلقه فقال أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا عما لا يعلمون وجه الدلالة أن هذه الأخبار قد
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»