الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٥٦
تضمنت وجوب الكف عن الحكم فيما لا يعلم حكمه ومنه الحكم بالإباحة والبرأة وأيضا لو كان حكم ما لا يعلمون حكمه الإباحة و البراءة لكان الأنسب بل اللازم حكمهم عليهم السلام حينئذ بالعمل بالبراءة والإباحة والحكم بهما لا يوجب الكف والجواب أن مقتضى الأدلة المذكورة حرمة الحكم والفتوى من غير علم ونحن نقول أيضا بمقتضاها حيث نمنع من الحكم بما لا علم لنا به لكن ندعي علمنا بإباحة ما لا علم لنا بحكمه والبرأة عنه للأدلة التي سبق ذكرها و بالجملة نعلم إباحة مجهول الحكم في الظاهر باعتبار كونه مجهولا لما مر من الأدلة فلا يحرم علينا الحكم بها كذلك ويجهل حكمه باعتبار الواقع أو مع قطع النظر عن كونه مجهولا فلا يجوز لنا الحكم عليه بذلك الاعتبار للوجوه المذكورة ولا يقدح عدم تعرض الأخبار المذكورة لجواز الحكم بالبراءة بالاعتبار الأول إذ الاحكام المتعددة لا يلزم استفادتها من نص واحد وربما يؤيد ذلك أن بعض الأخبار المذكورة أو كلها واردة في مقام المنع عن العمل بالقياس ومقتضاه إثبات الحكم الواقعي مع جريانه غالبا في إثبات غير الإباحة من الاحكام كما لا يخفى وأما ما أجاب به بعض المعاصرين من أن الوظيفة على تقدير تكافؤ أخبار الطرفين وتساويهما التخيير فيرجع إلى أصل البراءة فإن أراد أنا نختار العمل بأخبار أصل البراءة حينئذ فيرجع الحكم إليه فصحيح لكن لا يتم به إلزام الخصم لجواز اختياره العمل بأخبار المنع وإن أراد أن مجرد التكافؤ يوجب ذلك فواضح الفساد ويمكن أيضا تنزيل هذه الأخبار ولو للجمع بينها وبين ما مر على الحكم قبل استفراغ الوسع في البحث عن المعارض و منه الرجوع إلى الامام مع إمكان الرجوع إليه كما هو الغالب في حق المخاطبين بالتوقف والرد في تلك الأخبار أو الرجوع إلى نقلة الاخبار وحفظته كما هو المتعين على تقدير تعذر الرد إلى الإمام عليه السلام كما تدل عليه رواية الرد فلا تدل على المنع من الحكم بعد الفحص وتعذر الرد كما هو محل البحث وأما المقام الثاني فالكلام فيه في موضعين الأول أن يشتبه حكم الواقعة مع العلم الاجمالي بالاشتغال بها ولو مع الرخصة في المخالفة وهذا إنما يتصور في صورة دوران الحكم بين الأحكام الأربعة الاقتضائية كلا أو بعضا مع الجهل بالتعيين والاشتباه قد ينشأ من حيث قصور الدليل عن التعيين كالاجماع المركب من القول بالوجوب والاستحباب أو من القول بالتحريم والكراهة أو من حيث قصور دلالته كما في صيغتي الأمر والنهي على القول باشتراكهما بين الطلب مع المنع من النقيض وبينه مع الاذن فيه وكذا على القول باختصاصهما بالأول وضعا وبالثاني اشتهارا وتكافئهما ظهورا و على هذا القياس بقية المشتركات وما في معناها أو من حيث التعارض في أدلة الحكم كما في مسألة الجمعة عند من لا يعتد ببعض المرجحات أو أدلة دليله كما في لفظ الصماء حيث اختلفوا في تعيين معناه ومثله لفظ الصعيد أو من حيث الموضوع كما لو اشتبه الطاهر بالنجس والمطلق بالمضاف والمباح بغيره ولا كلام لنا في تعارض الأدلة مطلقا لما سيأتي تحقيقه في أواخر الكتاب إن شاء الله تعالى ولا في صورة اشتباه الموضوع لما سيأتي بيانه في أواخر الفصل وإنما الكلام في صورة قصور الدليل أو الدلالة عن إثبات التعيين فنقول لهاتين الصورتين صور عديدة منها أن يدور الامر بين الوجوب والتحريم فمع وجود المرجح في أحدهما يتعين الاخذ به و مع عدمه تخير في البناء على أحدهما لان الاخذ بما يحتمل الواقع أولى من الاخذ بما لا يحتمله والظاهر عدم الفرق في ذلك بين أن يكون أحدهما عبادة أو لا وربما أمكن ترجيح جانب النهي من حيث إن رفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ولقضاء الاستقراء به وقد مر بما فيه في مبحث النهي ومنها أن يدور الامر بين الندب والكراهة ويعرف الحال فيها بالقياس إلى ما مر ومنها أن يدور الامر بين الوجوب والندب فيرجح جانب الندب للقطع بالرجحان وقضاء الأصل بعدم المنع من النقيض وفي المقام إشكال نبهنا على دفعه في بعض المباحث السابقة ومنها أن يدور الامر بين الحرمة والكراهة و يعرف الحال فيها بالمقايسة إلى الصورة السابقة منها أن يدور الامر بين الوجوب والكراهة والوجه ما مر في الوجوب والتحريم ولا سبيل إلى نفي المنع من النقيض الذي هو فصل الوجوب بالأصل فيثبت الرجحان للترك لأنه أصل مثبت لا يعول عليه وربما أمكن أن يجعل الاحتياط مرجحا للوجوب وكذا لو دار الاحتمال بين التحريم و الاستحباب ومنها أن يدور الامر بين الأحكام الأربعة الاقتضائية أو ثلاثة منها وحكمه كالسابق الثاني أن يكون لمورده تعلق بأمر علم الاشتغال به وهذا قد يكون مع عدم العلم بالاشتغال به أصلا وقد يكون مع العلم بالاشتغال به في الجملة ويتحقق فيه الأقسام السابقة فما حكم فيه بعدم جريان الأصل هناك فلا إشكال في الحكم به هنا و إنما الاشكال فيما عداه ومحصل الكلام فيه أنه إذا علم اشتغال الذمة بمرتبة ثم شك في اشتغالها بشئ فيها أولها فهل يصح التمسك بأصل البراءة في نفي الاشتغال به في الاشتغال بها أو لا وعلى قياسه الكلام في استعمال أصل العدم فيه وفي نفي ما شك في جزئيته أو شرطيته من بقية الماهيات الموظفة فذهب جماعة إلى صحة جريان الأصل المذكور في ذلك وخالف آخرون فمنعوا من حجية الأصل هناك وأوجبوا العمل بالاحتياط وهذا النزاع كما يجري في العبادات على القول بأن ألفاظها أسام للصحيحة كذلك يجري على القول بأنها أسام للأعم وتوهم الفرق في ذلك مما لا وجه له كما مر التنبيه عليه سابقا ويظهر ثمرة جريان الأصل المذكور على الثاني في معاضدته لاطلاق الامر مع ثبوته بالنسبة إلى محل الشك و سلامته وعند الشك في مدخلية المشكوك فيه في صدق الاسم أو معارضة إطلاق الامر بما يكافئه ولا ينهض معه بإثبات الجزئية و الشرطية سواء كان
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»