الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٤٦
حيث يعتبر فيها أن يكون مقدماتها ضرورية أو آئلة إليها بالضرورة وأن يكون استلزامها للمطلوب أيضا ضروريا أو آئلا إليه بالضرورة فوقوع الخطأ فيها مستلزم لوقوع الخطأ في الضروريات فيلزم أن لا يكون حجة أيضا وأما ثانيا فبالحل وهو أن الناظر إذا علم بمقدمات مطلوبة وباستلزامها له على ما هو المعتبر في النظر حصل له العلم بالمطلوب من غير تجويز لان يكون نظره ذلك خطأ فإن العقل مفطور على الانقياد والاذعان بمقتضى ما انكشف له بالضرورة أو بالنظر وإن علم بأن العلم قد يكون جهلا والنظر قد يكون خطأ لأنه حال علمه بالشئ لا يجوز ذلك في علمه ونظره و إن أجازه في غيره فإن حجية العلم والانكشاف ضرورية فطرية و ليست نظرية حتى يتطرق القدح إلى كلية كبراه بما ذكر نعم ربما تغلب الشبهة المذكورة على الناظر لتمكينه إياها من نفسه فيتوهم كونها قادحة في حصول العلم فيمنعه عن الجزم في النظريات كما أن الشبهة السوفسطائية إذا زاولها من آل كثيرا أدت إلى التشكيك في الضروريات وهذا كله لا يكون إلا بعد إزاحة العقل عن فطرته الأصلية وردها عن خلقتها الأولية وأما ثالثا فبأن إبطال حجية النظر يؤدي إلى إبطال الشرائع والأديان لابتنائها على النظر بإثبات الصانع و قدرته وحكمته وعدله وامتناع إظهار المعجزة على يد الكاذب إلى غير ذلك فلو بطل حكم النظر نظرا إلى وقوع الخطأ فيه أحيانا لم يثبت شئ من ذلك وقد يقال أن المعجزة تفيد العلم الضروري بصدق صاحبها بدليل أن العلم منها كثيرا ما يحصل للعوام و نحوهم ممن ليس لهم قوة النظر والاكتساب فلا يتوقف على النظر في إثبات الصانع وصفاته بل يصح إثبات الصانع وصفاته بقول صاحبها المعلوم صدقه بالضرورة وهذا غير مستقيم إذ لا دلالة للمعجزة في حد ذاتها على صدق صاحبها عقلا نعم يمكن القول بدلالتها بطريق الضرورة على صدق صاحبها بعد العلم بوجود الصانع العالم القادر الحكيم كما هو المتفق عليه في جميع الأديان أو إثباته يتوقف على النظر إلا أنه نظري جلي لوضوح مقدماته بحيث لا يكاد يخفى على عاقل بعد التنبيه [تنبيهه] عليها وقد أشير إليه في قوله تعالى أ في الله شك فاطر السماوات والأرض إلا أنه لا يجدي بالنسبة إلى من سبق ذهنه إلى الشبهة فيتعين عليه تحصيل العلم بالنظر وهو كاف في الاشكال فصل ينقسم الفعل عند القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين إلى ما يستقل العقل بإدراك حسنه أو قبحه وإلى ما لا يستقل به و ينقسم الأول إلى الأقسام الخمسة أعني الواجب والحرام وأخواتهما و ليس المراد واستقلال كل عقل بذلك ليتضح فساده بشهادة الوجدان على خلافه بل المراد استقلال العقل بذلك ولو بحسب بعض أفراده كعقول الأنبياء والأوصياء فاللام في العقل للجنس والمراد بأنفسهم الثاني ما لا يستقل العقل بإدراك حكمه ولو بحسب بعض أفراده لكن يشكل حينئذ بانتفاء التقابل بين القسمين فإن من الافعال ما يستقل بإدراك حكمه بعض العقول دون بعض ولا مدفع له إلا باعتبار الحيثية فيرجع حاصل التقسيم إلى أن الفعل إما أن يؤخذ من حيث إدراك العقل لحكمه ولو ببعض أفراده أو يؤخذ من حيث عدم إدراك العقل لحكمه ولو ببعض أفراده ولا يقدح عدم انحصار المقسم فيهما لان المقصود تقسيمه بحسب ما يتعلق الغرض ببيان حكمه وهو منحصر فيهما ولك أن تجعل انقسام القسم الأول إلى الأقسام الخمسة بمعنى عدم خلوه من أحدها توسعا فلا يلزم أن يشتمل عليها بحسب الوقوع وإن جاز فحينئذ فيصح أن يكون التقسيم باعتبار كل واحد من آحاد العقل وكيف كان فلا يقدح عدم تحقق نوع من الفعل يستقل عقولنا بإباحته أو استحبابه أو كراهته ومن هنا يظهر ضعف ما زعمه الفاضل المعاصر من أن ما اتفقت عليه كلمة القائلين بالتحسين والتقبيح إنما هو وجود الأحكام الأربعة دون الإباحة لأنهم إذا اختلفوا في مثل أكل الفاكهة وشم الطيب كما سيأتي فأي شئ يبقى بعد ذلك لان يتفقوا على إباحته ثم نسب الشارح الجواد إلى الغفلة حيث سلك مسلكنا فقسم الفعل إلى ما يستقل العقل بإدراك حسنه أو قبحه وقسمه إلى الأقسام الخمسة وإلى ما لا يستقل به وجعله موردا للنزاع الآتي وأنت خبير بأن ذلك مما لم ينفرد به الشارح الجواد بل هو متداول بين القوم فإسناد الغفلة إليه في ذلك إسنادها إلى الكل والتحقيق أن الغفلة إنما نشأت منه فإن كلامهم في التقسيم ناظر إلى ما ذكرناه من الوجهين ونزاعهم الآتي مقصور على القسم الثاني فإن اختلافهم في إدراك العقل في حق الجاهل بحكم تلك الأشياء إباحتها من حيث جهله به لا يدل على منعهم إدراك بعض العقول إباحتها أو إباحة غيرها باعتبار آخر مع أن ما زعمه في الإباحة منقوض عليه بالكراهة حيث التزم باتفاقهم عليها مع أن قضية ما ذكره في الإباحة نفيها أيضا فإنهم إذا نازعوا في حرمة مثل أكل الفاكهة وشم الطيب فأي شئ يبقى بعد ذلك حتى يتفقوا على كراهته بل التحقيق أن التقسيم إن كان بالنظر إلى عقولنا فهي لا تستقل بإدراك المندوب أيضا فالوجه حصر ما يستقل بإدراكه العقل في قسمين لا الأقسام الأربعة وأما ما لا يستقل العقل بإدراك حسنه ولا قبحه فقد اختلف القائلون بالتحسين والتقبيح والمنكرون لهما بعد التنزل في حكمه قبل ورود الشرع فذهب الأكثرون إلى الإباحة وآخرون إلى الحظر وذهب الحاجبي إلى أنه لا حكم فيه أصلا وتوقف شيخ الأشاعرة وفسر تارة بعدم العلم بالحكم وأخرى بعدم الحكم ولا بد أولا من تحرير محل النزاع فنقول كما ينقسم الحكم التكليفي باعتبار نفسه إلى اقتضائي وتخييري وينقسم بهذا
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»