الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢١٧
وبدون ذلك لا يصلح الخاص للنسخ فيسقط عن درجة الاعتبار و حينئذ فيدور الامر في الخاص بين أن يكون مخصصا مقبولا وناسخا مردودا فكيف يبنى على القبول مطلقا فمدفوع بما عرفت من أن الامر متى دار بين التخصيص والنسخ رجح التخصيص على النسخ لغلبته وشيوعه هذا إذا جهل التقارن والتفارق بالكلية وأما لو علم عدم تقدم أحدهما أو عدم تأخره أو عدم تقارنه وجهل الصورتان الأخيرتان فيمكن التمسك في الأوليين بأصالة التقارن مضافا إلى رجحان التخصيص على النسخ وربما يشكل فيما لو علم عدم تقدم الخاص مع العلم بزمن الحاجة لامكان التمسك حينئذ بأصالة تأخر الخاص عنه فيكون نسخا وهو مدفوع بغلبة التخصيص وبهذا يترجح احتمال التخصيص في الصورة الأخيرة أيضا فإنها وإن احتملت وجوها ثلاثة يتعين التخصيص في بعضها والنسخ في بعض آخر إلا أن رجحان التخصيص بعين البناء عليه عند عدم ما يعين النسخ وإن كانا في كلام أحد الأئمة أو كان العام في كلامه تعالى أو كلام الرسول والخاص في كلامهم أو بالعكس تعين الحمل على التخصيص لامتناع وقوع النسخ بعد الرسول وما يقال من أنه يجوز أن يكون الحكم مغيا بغاية معينة فبينه الرسول صلى الله عليه وآله للناس على سبيل الاستمرار وبين الغاية لأوصيائه المعصومين فإذا انتهت المدة و بينوا ارتفاع الحكم كان ذلك نسخا منهم فناشئ عن عدم تحقق معنى النسخ وذلك لان النسخ عبارة عن إزالة الحكم الثابت استمراره عند الأمة فإذا فرض علم الوصي بارتفاع الحكم بإخبار النبي صلى الله عليه وآله إياه لم يكن استمراره ثابتا عند جميع الأمة بل بعضهم فرفعه حينئذ لا يكون نسخا لكن هذه مناقشة معه في التسمية ويبقى الكلام في ترجيح تخصيص عموم العام على تخصيص عموم الخاص والوجه فيه ما مر من أغلبية النوع الأول وشيوعه وندرة الثاني و شذوذه والظهور المستند إلى الغلبة وشبهها مما لا ريب في حجيته في مباحث الألفاظ بل الظاهر أنه موضع وفاق واعلم أنه لا فرق فيما مر بين أن يكون كل من العام والخاص قولا كما هو الغالب المتداول وقد سبق التمثيل أو فعلا أو تقريرا أو يكون أحدهما من أحدها والاخر من أحد الآخرين كما لو اجتنب الثوب المتنجس في الصلاة على وجه عرف منه عمومه لكل ثوب متنجس أو أقر مجتنبا منه على الوجه المذكور ثم أجاز الصلاة في المتنجس بما دون الدرهم أو أقر من ترك التجنب عنه عليه نعم لو كان الفعل منه احتمل أن يكون من خواصه أيضا وسيأتي الكلام فيه ولا فرق على التقادير بين أن يكونا قطعيين أو ظنيين أو يكون أحدهما قطعيا والاخر ظنيا على خلاف في بعض الصور تقدم الإشارة إليه ثم اعلم أن هذا كله يجري في العام والخاص المطلقين و أما العام والخاص من وجه فلا يحمل أحدهما على الاخر ما لم يقم هناك شاهد عليه لامتناع الترجيح بلا مرجح وصريح العرف و الاستعمال قاض بذلك ولو قام شاهد على تخصيص أحدهما بالآخر تعين كما لو ورد أحدهما بعد العمل بمورد التعارض من الاخر فإنه حينئذ يتعين تخصيص المتأخر وإلا لزم نسخ المتقدم بالنسبة إلى مورد العمل وهو مرجوح بالنسبة إلى التخصيص ومنهم من زعم أن كلامهم السابق في العام والخاص المتنافيين يتناول العامين من وجه أيضا وهو كما ترى بين الفساد تتمة إذا ورد حكم إيجابي أو تحريمي على سبيل العموم وفعل النبي صلى الله عليه وآله في بعض موارده ما يخالفه كشف عن ثبوت ذلك الحكم المخالف في حقه قطعا سواء كان العموم المذكور متناولا له صلى الله عليه وآله أو لا لامتناع الخطأ عليه عندنا وهل يقتضي ذلك ثبوت الحكم في حق الأمة أيضا نظرا إلى عمومات التأسي فيخص به العام أو لا قولان والتحقيق أن عمومات التأسي تعارض لعموم ذلك العام معارضة العامين من وجه فيستدعي ترجيح أحدهما على الاخر من مرجح فإن تحقق هناك مرجح كضعف عموم العام بكثرة ورود التخصيص عليه وقوة عموم التأسي لندرة وروده عليه ونحو ذلك أو بالعكس تعين الاخذ بمقتضاه وإلا فاللازم التوقف لانتفاء المرجح وما يقال من أن المخصص لعموم العام ليس عموم التأسي وحده بل هو مع الفعل وهو أقوى ففيه أن التنافي بين العامين إنما يتأتى بسبب الفعل فلا اختصاص له بأحدهما إذ كما يمكن تخصيص العام بعموم التأسي مع الفعل كذلك يمكن تخصيص عموم التأسي بعموم العام مع الفعل لا يقال العبرة في مقام التعارض بنفس الدليل لا بدليل الدليل وإلا لم يتحقق لنا في الأدلة دليل خاص إذ مرجع حجية كل دليل إلى أدلة عامة والفعل هنا خاص وإن كان دليل حجيته عاما فيجب تخصيص العام به لأنا نقول إنما يتم ما ذكر إذا كان الخاص في نفسه دالا وإلا كان التعارض بين دلالتي العامين فإن الفعل مشخص لعنوان أحد العامين وليس بدال ثم ما ذكرناه في الحكم الايجابي والتحريمي يجري في سائر الأحكام الثلاثة أيضا ولا فرق في ذلك بين القول بوجوب التأسي أو باستحبابه أو بإباحته إلا أن العام في هذه الموارد إذا كان متناولا له فالتخصيص في حقه غير لازم لجواز تركه للمندوب وفعله للمكروه والمباح بقصد التعليم وإن كان فعلهما بعد انضمام القصد المذكور إليهما راجعا إلى فعل الراجح فالوصف لاحق لهما مع قطع النظر عن ضميمة القصد هذا إذا دار الامر بين تخصيصين وأما إذا دار بين تخصيص ونسخ فالظاهر تقديم التخصيص على ما سبق ثم ما ذكرناه في فعله يجري في فعل الأئمة ما عدا احتمال النسخ ويعرف الكلام فيه بالمقايسة القول في المطلق والمقيد فصل المطلق ما دل على معنى شائع في جنسه شيوعا حكميا فالمراد بالموصولة اللفظ الموضوع بدليل أن الغرض هنا لا يتعلق بالبحث عن غيره فخرجت المهملات ولك أن تقول هنا ما سيأتي ذكره في حد المجمل وبالمعنى كل ما صح أن يقصد باللفظ فدخل المعنى الحقيقي والمجازي حتى المقيد الذي استعمل فيه لفظ المطلق من حيث الخصوصية إذا اعتبر من حيث شيوعه والمراد بقولنا شائع في جنسه أن يكون المعنى حصة محتملة لحصص الجنس أي فردا منتشرا بين أفراد الجنس كما هو الظاهر منه فخرج العلم الشخصي والمعرف بلام العهد الخارجي وألفاظ العموم الشمولي و النكرة
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»