الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢١٣
ومع التساوي أو الشك في الترجيح بعد الفحص يبنى على التساقط أو التخيير على القولين وبالجملة فهو من جملة ما يتعارض فيه الدليلان فيجري فيه ما يجري هناك وضعفه يعرف مما مر مضافا إلى أن الكلام هنا في ترجيح المفهوم أو العام على الاخر باعتبار نفسهما لا بملاحظة أمر آخر فصل لا ريب في جواز تخصيص كل من الكتاب والخبر المتواتر وما في معناه من الخبر المحفوف بقرائن العلم بنفسه وبالاخر و تخصيص خبر الواحد حيث نقول بحجيته بنفسه وبهما وتخصيص الكل بالاجماع القطعي والعقل وفي جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المجرد عن قرائن العلم على تقدير حجيته أقوال فأجازه العلامة وجماعة ومنعه آخرون ومنهم السيد المرتضى بعد التنزل عن أصله و فصل ثالث بين العام المخصص بدليل قطعي متصل أو منفصل و بين غيره فأجازه في الأول دون الثاني وفصل رابع بين العام المخصص بدليل منفصل ولو ظني وبين غيره فأجازه في الأول ومنعه في الثاني وتوقف قوم والمختار عندي هو الأول لنا أنهما دليلان ظاهريان وقد تعارضا على وجه يمكن الجمع بينهما فكان ذلك أولى من طرح أحدهما لما فيه من العمل بالدليلين فإن لم يمكن الجمع بينهما بغير طرق التخصيص تعين وإلا ترجح التخصيص نظرا إلى كونه أقرب من غيره لغلبته وشيوعه ما لم يعتضد ما يخالفه بدليل خارجي لكنه خارج عن محل البحث لان كلامنا في ترجيح التخصيص بالقياس إلى نفسه مع قطع النظر عن القرائن الخارجية والتحقيق أنا حيث أثبتنا في محله انسداد باب العلم ووجوب التعويل على الطرق الظنية فلا ريب أن الظن هنا في جانب العمل بالخبر الخاص دون عموم الكتاب أخذا بما هو المعروف بين أصحابنا بل كاد أن يكون إجماعا كما يظهر بالتصفح في مظانه كحكمهم بحرمة كثير من المطاعم من الحيوانات وغيرها بأخبار الآحاد مع دلالة عموم قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي الآية على حلية الجميع وإن عمم محل البحث إلى العموم الحكمي فقد حكموا بحرمة كثير من أنواع الانتفاع بأخبار الآحاد مع دلالة عموم قوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا على إباحتها وعلى هذا القياس حكمهم ببطلان كثير من العقود أو عدم لزومها ولو لاختلال بعض الشرائط الثابتة بأخبار الآحاد مع دلالة عموم قوله تعالى أوفوا بالعقود على لزومها إلى غير ذلك مما يعرف بالتتبع في كتب الفقه وأبوابها فلا نطيل الكلام بذكر تفاصيلها وأما ما وقع في كلام بعض المعاصرين بأنه قل ما يوجد خبر لا يكون مخالفا لعام من عمومات الكتاب فلا أقل من مخالفته لأصل البراءة الثابت بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها و نحوه فضعفه ظاهر لان عمومات أصل البراءة إنما يقتضي البراءة حيث لا دليل على التكليف كالآية التي تمسك بها بناء على دلالتها على ذلك فإن عمومها مختصة بالاستثناء فلا يعارضها أدلة التكاليف بوجه وإنما هي مصاديق لمفهوم ما تخصصت به احتج المانع بوجوه الأول أن الكتاب قطعي وخبر الواحد ظني والقطعي لا يعارض بالظني والجواب المنع من كون الكتاب قطعيا إن أريد كونه دليلا قطعيا وإن أريد أن متنه أعني صحة صدوره قطعي فهو لا يوجب كونه دليلا قطعيا إذ المعارضة بينهما إنما هي من حيث كونهما دليلين وليس الكتاب بمجرد متنه دليلا بل به وبدلالته فيبتني كونه دليلا على الامرين فإذا كان أحدهما ظنيا لم يكن المبتنى عليه المبني عليه قطعيا بالضرورة فظهر أن المعارضة هنا إنما هي بين دليلين ظنيين فيتوقف الترجيح على وجود بعض المرجحات وقد عرفت أن الجمع بينهما بالتخصيص أولى من طرح دليل الخاص لا يقال حجية الكتاب مقطوع بها ولا قطع بحجية خبر الواحد مطلقا حتى حال معارضته لعموم الكتاب لوقوع الخلاف في حجيته حينئذ والمحتمل لا يصلح لمعارضة القطعي لأنا نقول كما لا قطع حينئذ بحجية خبر الواحد لوقوع الخلاف فيها كذلك لا قطع بحجية دلالة الكتاب بالنسبة إلى مورد التخصيص لوقوع الخلاف فيها أيضا فيتساويان في كون كل منهما حجة غير قطعية وما يقال من أن دلالة الكتاب قطعية لان الحكم لا يخاطب بما له ظاهر ويريد خلافه فإنما يسلم حيثما لم يرد قرينة على خلافه إلى وقت العمل كما سيأتي تحقيقه ثم حينئذ تكون دلالته قطعية في حق المكلف في الظاهر لا في الواقع لجواز وقوع البيان وعدم وصوله إليه أو لنحو ذلك وأما لو وصل إليه البيان و لو بطريق أخبار الآحاد حيث نقول بحجيتها لم يلزم قبح في الخطاب بما له ظاهر إذا لم يرده هذا وما وقع في كلام صاحب المعالم تبعا للعضدي من أن العام في المقام قطعي المتن ظني الدلالة و الخبر الخاص ظني المتن قطعي الدلالة فلكل جهة قوة فهو بظاهره غير مستقيم لان دلالة الخاص كثيرا ما يكون ظنيا أيضا لتطرق احتمال التجوز إليه بل كثيرا ما يكون أيضا عاما محتملا للتخصيص كالأصل ولو أراد بقطعية دلالته كونها أقوى من دلالة العام لوجه عليه المنع من مساواة الجهتين الثاني لو جاز التخصيص به لجاز النسخ به واللازم باطل بالاتفاق فالملزوم مثله بيان الملازمة أن العلة التي تمسكوا بها على رجحان التخصيص وهو الجمع بين الدليلين جار بعينه في النسخ فلو صلحت علة لصلحت لها في المقامين والجواب أنه لو سلم قيام الاجماع على أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد كان ذلك فارقا بين المقامين ومخرجا لخصوص النسخ عما تقتضيه القاعدة الأصلية فيبقى ما عداه أعني التخصيص على حكم الأصل وقد يفرق أيضا بأن احتمال النسخ أبعد من احتمال التخصيص لغلبته وندرة النسخ فعدم مقاومة خبر الواحد للقوي لا يستلزم عدم مقاومته للضعيف وبأن النسخ دفع لما ثبت حصوله من الدلالة أو المدلول أعني الحكم والتخصيص دفع لما يثبت حصوله والدفع أسهل من الرفع واعترض عليه الفاضل المعاصر بما حاصله أن دعوى أسهلية أحدهما من الاخر لا يستقيم فيما يستند إلى فعله تعالى لتساوي كل الحوادث بالنسبة إليه و مع ذلك فهو مبني على أن الممكن لا يحتاج في البقاء إلى مؤثر جديد وهو ممنوع انتهى وفي كلا الوجهين نظر أما في الأول فلأنهم إن أرادوا بأسهلية الدفع من الرفع كونه أقرب في النظر إلى الوقوع باعتبار قلة ما يتوقف عليه بالنسبة إلى الاخر أو المراد أن ارتكابه
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»