الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢١٠
بالآخر وهذا يوجب التناقض ولا ينفع فيه وحدة الضمير فإن ذلك لا يصحح الجمع بين المتضادين وهذا ظاهر وإما أن يكون مأخوذا لا بشرط وحينئذ فلا حاجة إلى اعتبار وحدة الضمير إذ لا تناقض بينهما بهذا الاعتبار نعم لما كان كل منهما ظاهرا في معناه بالاعتبار الأول احتيج إلى ضم الاخر إليه قرينة على إرادته بالاعتبار الثاني هذا و توهمهم أن ذلك من باب توارد المؤثرين على أمر واحد ضعيف لان العوامل ليست عللا حقيقية بل علامات ومعرفات الخامس لو قال له علي عشرة إلا أربعة إلا اثنين كان قوله إلا اثنين راجعا إلى الأخيرة دون ما تقدمه اتفاقا فكذا في غيره والجواب عنه أما أولا فبأنه خارج عن محل البحث إذ النزاع في الجمل المتعددة المتعاطفة و ليس هناك جمل ولا عطف وأما ثانيا فبأن عدم جواز العود إلى الجميع هنا إنما هو لقرينة لزوم التناقض بناء على المذهب المشهور أو دفع محذور اللغو والهذرية بناء على مذهب المستدل حيث يكون مفاد الكلام عند اعتبار عوده إلى الجميع هو مفاده السابق عليه فإن إخراج الاثنين من الأربعة والعشرة يقتضي الاقرار بالستة وقد أفاده بالاستثناء الأول وسيأتي توضيح ذلك فيتعين عوده إلى أحدهما ورجح ما يليه لقربه إليه فلا يلزم منه تعين العود إلى الأخيرة حيث لا قرينة عليه السادس الجملة التالية حائلة بين الاستثناء وبين الجملة السابقة كالسكوت فتكون مانعة من تعلقه بها فإن الظاهر من حال المتكلم أنه لم ينتقل إلى الجملة التالية إلا بعد استكمال غرضه من السابقة كما لو سكت فإنه يقتضي استيفاء غرضه من الكلام والجواب المنع من كونها حائلة بحيث تقتضي منع تعلق اللواحق بها كيف و هو عين المتنازع فيه احتج السيد بوجوه الأول أن الاستثناء تستعمل تارة بالعود إلى الأخيرة وأخرى بالعود إلى الجميع بلا خلاف في وقوع الاستعمال على الوجهين وظاهر الاستعمال يقتضي الحقيقة و الجواب أن أصالة الحقيقة إنما تفيد كون الاستعمالين على الحقيقة أما كونهما على سبيل الاشتراك وتعدد الوضع فلا لجواز أن يكون ذلك بوضع واحد كما قررناه وقد يجاب بأن الاستعمال أعم من الحقيقة وهو لا يستقيم هنا على ما حققناه الثاني أن القائل إذا قال لغيره اضرب غلماني والق أصدقائي إلا واحدا حسن أن يستفهم هل [الاستثناء] أستثني من الجملتين أو من الجملة الأخيرة وذلك آية احتمال اللفظ واشتراكه والجواب أما أولا فبأن الاستفهام قد يحسن لدفع الاحتمال المرجوح أيضا تحصيلا للقطع أو الظن القوي بالمراد وأما ثانيا فبأن الاستثناء في المثال المذكور لا يحتمل العود إليهما والاخراج منهما معا بل إلى أحدهما أو إليهما والاخراج من أحدهما على البدلية لظهور أن استثناء الواحد لا يفيد إخراجه من جملتين ما لم يشتركا ولو في بعض الافراد وحمل المثال عليه بعيد الثالث لا بد في الاستثناء المتعقب للجملتين من عوده إليهما أو إلى إحداهما لامتناع أن لا يكون عائدا إلى شئ منهما و قد نظرنا إلى أدلة من يخصه بالأخيرة وأدلة من يخصه بالجميع فلم نجد فيهما ما يوجب القطع بأحدهما فوجب أن نقف ولا نقطع بالعود إلى أحدهما والجواب أن عدم دليل معتبر على أحد القولين لا يوجب المصير إلى الاشتراك بل إلى التوقف مع أنا قد بينا ما يوجب المصير إلى ما اخترناه الرابع أن الحال والظروف إذا وقعت عقيب جملة فعلية كما لو قلت ضربت غلماني وأكرمت جيراني و أخرجت زكاتي قائما أو صباحا أو في مكان كذا احتمل أن يكون العامل فيه جميع الأفعال المتقدمة كما يحتمل الأخير وليس لنا في ذلك أن نقطع بأحد الامرين ما لم تقم قرينة عليه فكذلك الاستثناء قياسا عليها بجامع أن الكل فضلة في الكلام يأتي بها بعد تمامه والجواب أن اللغة لا تثبت بالقياس كما مر مرارا مع أن الفارق في المقام موجود و هو أهونية التقييد من التخصيص على أن الحكم المدعى في الأصل في محل المنع إن أريد تساوي الاحتمالات للقطع بأن تعلقه بالأخيرة أقرب مضافا إلى منع علية الجامع وإن سلم فليس هناك ما يقتضي خصوص الاشتراك بل الأعم منه ومما قلناه وقد تقدم حجة صاحب المعالم والفاضل المعاصر عند ذكر حجتنا وحجة البصري ظاهرة من بيانه وهو أن الاضراب عن الجملة الأولى يقتضي عدم العود إليها فينافي رجوع الاستثناء إليها بخلاف ما لا يشتمل عليه ولا يخفى ما فيه إذ لا نسلم أولا حصول الاضراب المنافي للعود فيما ذكره على الاطلاق وعلى تقدير تسليمه كما في بعض الصور يكون ذلك قرينة حالية على عدم العود إلى الجميع والكلام عند فقد القرائن مطلقا حالية كانت أو مقالية ثم لا نسلم ثانيا تعين الرجوع إلى الجميع عند عدم الاضراب لان ذلك إنما يقتضي إمكان الرجوع لا وقوعه وحجة المتوقف راجعة إلى تصادم الأدلة عنده أو إلى ما مر مرارا من أنه لو ثبت فإما بالعقل ولا مدخل له وإما بالنقل فوقوع التواتر منه يوجب عدم الخلاف و الآحاد منه لا يفيد العلم وجوابه يعرف مما سبق ولم يتعرض الحاجبي للحجة على ما صار إليه واحتج عليه العضدي بأن الاتصال يجعلهما كالجملة الواحدة والانفصال يجعلهما كالأجانب والاشكال يوجب الشك وضعفه ظاهر لان الاتصال إنما يقتضي إمكان الرجوع لا وقوعه والانفصال إنما يبعد الرجوع في بعض موارده لا مطلقا تتمة فيها فائدتان الأولى إذا تعقب الاستثناء لمفردات أو جمل ومفردات أو تعقب غير الاستثناء من أنواع التخصيص بالمتصل المعروفة لجمل أو مفردات أو جمل ومفردات وأمكن العود إلى الجميع ففي [جريان] انسحاب النزاع المذكور إليه وعدمه وجهان وتخصيص كثير منهم لعنوان النزاع بالاستثناء المتعقب للجمل يشعر بالثاني وفي المعالم بعد أن صرح بالأول قال وقد جرت عادتهم بفرض الخلاف والاحتجاج في تعقب الاستثناء ثم يشيرون في باقي أنواع المخصصات إلى أن الحال فيها كما في الاستثناء وهذه الدعوى عندي غير واضحة والتحقيق أن الاستثناء إن تعقب جملا تامة أو ناقصة فالظاهر عوده إلى الأخيرة كما عرفت وإن تعقب مفردات لم يبعد ظهوره في العود إلى الجميع ما لم يتخلل منها جملة فلا
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»