الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٠٦
بظاهره غير صحيح لان كونه مثل المشتق يقتضي أن يكون الموضوع له فيه أيضا عاما فلا يتم التقريب والأظهر أن يقال يريد بالمشتق الهيئة الاشتقاقية كما هو معنى المشتق من حيث كونه مشتقا فيبتني على ما هو المعروف من أنها موضوعة بالوضع العام لمعان خاصة أو يريد به الفعل مطلقا على ما يختاره أو باعتبار الهيئة على ما هو المعروف وكيف كان فالوجه في عموم الوضع فيها وخصوص الموضوع له أنها متضمنة للنسبة التي بها يتحقق الاخراج ولو في الجملة أعني النسبة الإضافية ولهذا كانت لازمة الإضافة على ما مر الإشارة إليه في صدر الكتاب فيكون وضعها وضع الافعال أو الأسماء المتضمنة لمعاني الحروف قال ثم فرض إمكان عود الاستثناء إلى كل واحد يقتضي صلاحية المستثنى لذلك وذلك بأن يكون مدلوله أمرا مندرجا في مدلول كل واحد من الأمور المستثنى منها فإن الاخراج فرع الدخول وهي تحصل بأمور منها كون المستثنى موضوعا وضع الأداة أعني الوضع العام والظاهر أنه يريد بذلك ما يتناول عموم الموضوع له وخصوصه بقرينة تمثيله بالمشتق والاسم المبهم فإنه قد صرح فيما سبق بأن المشتقات موضوعة بالوضع العام لمعان عامة وأن المبهمات موضوعة بالوضع العام لمعان خاصة وصلوح المستثنى حينئذ للرجوع إلى كل واحد ظاهر لا سترة به نعم ينبغي تقييد الثاني بما لا يكون موضوعا لجزئي كاسم الإشارة لئلا يخرج عن محل الفرض وحينئذ فأي المعنيين أريد من الاستثناء كان حقيقة فيه واحتيج في فهم المراد منه إلى القرينة فإن إفادة المعنى المراد من الموضوع بالوضع العام إنما هي بالقرينة يريد به العموم الخاص أعني ما يكون الموضوع له فيه خاصا كما صرح به أولا في أدوات الاستثناء ولأن الموضوع له إذا كان عاما فلا حاجة في إفادة معناه إلى القرينة إلا لعارض الاشتراك وشبهه وهو خارج عن مفروضه نعم لو أطلق حينئذ على فرد بعينه احتاج في إفادته إلى ضميمة يدل عليه لكنه ليس حينئذ من جهة إفادة معنى الموضوع له بالوضع العام بل معنى آخر زائد عليه ثم فرق بين الموضوع بهذا الوضع وبين المشترك من وجهين الأول اتحاد الوضع فيه بخلاف المشترك فإن الوضع فيه متعدد الثاني أن القرينة في المشترك إنما يحتاج إليها لتعيين المراد لا للدلالة لحصولها عند العالم بالأوضاع عند عدم القرينة أيضا وقد سبق ما يتعلق بذلك في أوائل الكتاب بخلاف الموضوع بالوضع العام لمعان خاصة فإنه لا يدل على شئ من معانيه عند عدم القرينة لأنها أمور غير متناهية لا يمكن حصول جميعها في الذهن ولا البعض دون البعض لاستواء نسبة الوضع إليها وفيه نظر لجواز حصول أمور غير متناهية في الذهن إجمالا فيصح أن يكون القرينة فيها أيضا لتعيين المراد ولو اعتبر في الدلالة حصول المعنى في الذهن تفصيلا لانتقض بالمشترك حيث يتكثر معانيه كالعين المشتركة بين سبعين معنى على ما قيل فإن جميع المعاني لا يحضر في الذهن غالبا تفصيلا على أنه يجوز حصول البعض في الذهن لمرجح غير الوضع والقرينة كحضوره في الذهن وانسباقه إليه لابتذاله ومقارنته لتذكر السامع له ونحو ذلك فيدل عليه اللفظ بالوضع فإن من الواضح أن من سمع لفظ هذا من وراء الجدار جاز أن ينتقل إلى جملة من معانيه مجوزا أن يكون المتلفظ مريدا به أحدها أو غيرها مما لم يتصوره تفصيلا ومنها كون المستثنى من الألفاظ المشتركة والأولى أن يراد بها ما يعم المنقول والمرتجل بحيث يكون صلاحيته للعود إلى الأخيرة باعتبار معنى وإلى الجميع يعني إلى غير الأخيرة باعتبار آخر وإنما سمي رجوعه إلى غيرها رجوعا إلى الجميع لان رجوعه إليه بعد الرجوع إليها بتحقق رجوعه إلى الجميع أو يريد باعتبار آخر اعتبار كونه مستعملا في كل من المعنيين أو المعاني فإنه مغاير لاعتباره مستعملا في أحدها و ذلك نحو أكرم العلماء واخلع التجار إلا زيدا مع تحقق مسمى بزيد في كل من الفريقين فيكون حكمه يعني استعماله المذكور أو صلوحه لما ذكر حكم المشترك في الامتناع والجواز مجازا أو حقيقة مع الظهور وبدونه مطلقا أو على التفصيل المقرر في محله و قريب منه استعمال اسم الإشارة في فردين من المشار إليه على الوجه المذكور ومثله الكلام فيما إذا كان المستثنى صالحا للرجوع إلى الأخيرة باعتبار معناه الحقيقي وإلى الباقي باعتبار معناه المجازي أو بالعكس أو كان صالحا للرجوع إليهما باعتبار معان مجازية أو معان معتبرة في الاستعمال لا حقيقية ولا مجازية أو ملفقة من النوعين كما لو قيل أكرم العلماء واقرأ هذه الكلمات إلا زيدا إذا فرض وجود رجل في العلماء مسمى بزيد وكلمة زيد في تلك الكلمات ولا فرق في هذه الصورتين أن يتحد كل من المعنيين أو يتعدد أو يتحد البعض ويتعدد الاخر أو كان باعتبار تمام معناه متحدا كان أو متعددا حقيقيا كان أو غيره صالحا للرجوع إلى الأخيرة وإلى الجميع نحو أكرم العلماء وأعط الفقراء إلا زيدا إذا قدر دخول زيد في العلماء وفي الفقراء وحيث يستدعي الاستعمال المذكور قرينة فلا بد من اعتبار كونها مفيدة لمجرد إرادة الزائد على معنى واحد ولو بدلالة القرينة على إرادته بالنسبة إلى الأخيرة لا لرجوعه إلى الجميع لئلا يخرج عن محل البحث إلا أن يقال المقصود بيان وجوه الصلاحية مطلقا فلا حاجة إلى اعتبار المذكور وزعم المعاصر المذكور في توجيه الامر الثاني أنه يريد أن صلاحية المستثنى للعود إلى كل واحد قد يكون لاشتراكه بين معنيين صالح من جهة أحدهما للرجوع إلى الأخيرة ومن جهة الاخر للرجوع إلى الجميع كما لو قيل أكرم بني تميم واخلع بني أسد إلا فارسا إذا فرض كون شخص من بني أسد يسمى فارسا وفرض وجود الفارس بمعنى الراكب في الفريقين فيصح رجوعه إلى الجميع بالاعتبار الثاني ويختص بالأخيرة بالاعتبار الأول ثم اعترض عليه بأن فرض المستثنى مشتركا على الوجه المذكور يوجب الخروج عن محل النزاع إذ الكلام فيما يكون المخصص صالحا للرجوع إلى الجميع والبعض ولا يمكن الحكم بالصلاحية في الصورة المذكورة أولا لاحتمال إرادة المعنى العلمي منه وهو
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»