الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٠٩
أو قلنا بأن المجموع عبارة عن الباقي أو قلنا بأن المراد بالمستثنى منه ما بقي بعد الاستثناء مجازا إذ لا يتعدد الحكم على هذه التقادير حتى يتحقق المخالفة ثم التمسك في ترك العمل بالأصل في الجملة الواحدة بدفع محذور الهذرية هذر فإن الخروج عن أصالة الحقيقة إلى المجاز عند قيام القرينة مما لا ريب في جوازه ولا يصلح دفع الهذرية بمجرده سببا للخروج عن الأصل وإلا لصح الاستثناء وإن انفصل عنه في النطق عرفا وإن أريد أن الظاهر من المتكلم باللفظ العام إرادة العموم منه والاستثناء مخالف لهذا الأصل فممنوع للاتفاق على أن المتكلم ما دام متشاغلا بالكلام له أن يلحق به ما شاء من اللواحق و هذا يقتضي وجوب التوقف عن الحكم بإرادة المتكلم ظاهر اللفظ حتى يتحقق الفراغ وينتفي احتمال إرادة غيره ولولا ذلك لكان التصريح بالخلاف ولو قيل بالأخيرة حال التشاغل منافيا له ووجب رده ولا يجدي دفع محذور الهذرية قلنا يمكن توجيه التعليل بمخالفته للحكم الأول على بعض الوجوه التي ذكرناها في دفع التناقض المورد في الاستثناء إلا أنه لا ينفع المستدل حيث لا يقول به أو يحمل مخالفته للحكم الأول على مخالفته للحكم الذي دل عليه الكلام أولا أي عند عدم القرينة الاستثناء فيرجع إلى أصالة الحقيقة أو ما يقرب إليها ثم التمسك في تخصيص العام بدفع محذور الهذرية راجع إلى بيان وجه كون الاستثناء مفيدا للتخصيص وقيامه قرينة عليه فلا يرد عليه أن الخروج عن أصالة الحقيقة إلى المجاز عند قيام القرينة مما لا ريب في جوازه وأيضا لا يلزم من اعتباره قرينة صورة الاتصال اعتباره قرينة صورة الانفصال فإنه إنما يحافظ على دفع محذور الهذرية بالجمع بين الكلمات المتخالفة ما لم يؤد إلى ارتكاب هذر آخر كإهمال القواعد اللفظية المحكمة ولهذا إذا كان المقتضى للتخصيص جملة مستقلة وكان الحكم إنشاء جاز وإن انفصل عنه في النطق وإنما منع من ذلك في الجمل المتصلة نظرا إلى بطلان الاستعمال لمخالفة الوضع ثم لا نسلم عدم ظهور اللفظ في معناه الحقيقي ما دام المتكلم متشاغلا بالكلام فإن ضرورة الوجدان قاضية بخلافه وجواز اللحوق واعتباره لا ينافي الظهور كما لا يخفى ولولا ذلك لما اتجه التعويل على كلام من فاجأه عارض منعه عن الكلام حال تشاغله به بعد أن أتى بما يصح السكوت عليه إذا كان صالحا للواحق بل الوجه في الجواب أن الدليل المذكور إنما يقتضي عدم عود الاستثناء إلى ما عدا الأخيرة عند التجرد عن القرينة نظرا إلى أصالة بقائه على العموم ونحن لا نتحاشى عنه لكن أين ذلك من اختصاصه بها بحسب الوضع كما هو المدعى لا يقال أصالة بقاء ما عدا الأخيرة على العموم معارضة بأصالة عدم لحوق الحكم له على العموم حيث يكون الحكم فيه على خلاف الأصل كما هو الغالب فيتساقطان فلا يتم التمسك بأحدهما لأنا نقول أصالة بقاء اللفظ على العموم أصل لفظي فيترجح على أصالة البراءة وأصالة العدم وغيرها مما يعد من الأصول العقلية الظاهرية وتحقيقه أن تلك الأصول بمقتضى الأدلة التي أفادتها إنما تنهض حجة حيث لا دليل على خلافها وظاهر اللفظ دليل فلا تنهض حجة في مقابلته نعم لو كان الأصل السابق مستفادا أيضا من دليل لفظي غير مقيد بصورة عدم الدليل حصل التعارض ولا بد حينئذ من مطالبة المرجح الثاني لو جاز تعليق الاستثناء بما عدا الأخيرة بعد تعليقه بها لجاز تعليق المستقل بغيره والتالي باطل بيان الملازمة أنه بعد تعليقه بالأخيرة يستقل فلو علق بغيرها أيضا كان تعليقا للمستقل وهو المراد بالتالي وأما بطلانه فلان المقتضي للتعلق إنما هو عدم الاستقلال إذ المستقل لا يتعلق بغيره وأجيب بأن المستقل وجوبا لا يجوز أن يتعلق بغيره وأما المستقل جوازا كما في المقام حيث يجوز تعلقه بالجميع وبالأخيرة جاز تعلقه بغيره والأظهر أن يجاب بأن الاستثناء محتمل للعود إلى الجميع وإلى الأخيرة فهو على تقدير عوده إلى الجميع لا يستقل بالعود إلى الأخيرة وإلا لزم الترجيح من غير مرجح إذ تعلقه بالكل تعلق دفعي وليس على التدريج كما يشعر به كلام المستدل الثالث أن من حق العام أن يحمل على عمومه ما لم يقم ضرورة تؤدي إلى ارتكاب خلافه فمتى خصصنا الأخيرة لم يبق ضرورة تحوجنا إلى ارتكاب التخصيص فيما عداها فلا يجوز لنا تمشية التخصيص إليه وهذا الدليل قريب من الدليل الأول بل لا يختلف معه إلا في التعبير فالجواب عنه الجواب عنه الرابع إذا عاد الاستثناء إلى كل جملة فإن قدر معها لزم مخالفة الأصل وإلا لزم تعدد العامل على معمول واحد في إعراب واحد وهو باطل لنص سيبويه عليه وقوله حجة وللزوم اجتماع مؤثرين مستقلين على أثر واحد والجواب أنا نختار عدم الاضمار ولا نسلم لزوم تعدد العامل على معمول واحد وإنما يلزم ذلك لو كان العامل في المستثنى هو العامل في المستثنى منه وهو ممنوع بل العامل فيه أداة الاستثناء كما يذهب إليه جماعة من النحاة لنيابتها مناب أستثني وقيام معناه بها والعامل ما به يتقوم المعنى المقتضى كما أن العامل في المنادى هو أداة النداء لقيامها مقام أنادي سلمنا ذلك لكن لا نسلم عدم جواز تعدد العامل على معمول واحد إذ لا نجد فيه ما يقتضي المنع وقول سيبويه بالمنع معارض بنص الكسائي و الفراء على الجواز بل معارض بما ذكره هو في باب الصفة من جواز نحو قام زيد وذهب عمرو الظريفان مع ذهابه إلى أن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف فإن قضية كلامية هناك جواز توارد العاملين على معمول واحد وقد اختار هذا المذهب بعض المحققين مستشهدا عليه بإخبارهم عن الشئ الواحد بأمرين متضادين نحو هذا حلو حامض حيث إن فيهما ضميرا واحدا بالاشتراك وذلك لعدم جواز خلوهما عن الضمير بالاتفاق واعتباره في كل واحد منهما بخصوصه يقتضي كون كل واحد منهما محكوما به على المبتدأ وهو جمع بين الضدين أو في أحدهما فيلزم استقلال ما فيه الضمير بالخبرية وانتفائها عن الخالي وهو خلاف الفرض وفيه نظر لأنا نختار القسم الأول ونمنع لزوم إشكال التناقض عليه وذلك لان كلا من الحلو والحامض إما أن يكون مأخوذا بشرط أن لا يكون ممتزجا
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»