الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢١٤
باعتبار موافقته للاستصحاب ومخالفة الاخر له وليس المراد أن صدوره من الحاكم أسهل فإن الضرورة حاكمة بتساويهما بالنسبة إليه من غير اختصاص له به تعالى وأما في الثاني فلانه إن أريد بالمؤثر الجديد المؤثر الحادث بعد الأول منعنا حاجة الممكن في البقاء إليه وإن أريد بقاء المؤثر السابق منعنا توقف الدليل على عدم الحاجة إليه بل ربما يتقوى على تقدير ثبوتها لتأكد استصحاب بقاء الأثر باستصحاب بقاء المؤثر ومما حققنا يتبين فساد ما يقال في إثبات الملازمة من أن النسخ نوع من التخصيص لأنه رفع لعموم الحكم الثابت بحسب الأزمان فقضية جواز التخصيص بخبر الواحد جواز النسخ به أيضا وذلك لان التخصيص المبحوث عنه هنا ليس مطلق التخصيص بل ما عدا النسخ والمناقشة لفظية مع أنا نمنع كون النسخ نوعا من التخصيص بل هو رفع للحكم الثابت على تقدير عدمه بخلاف التخصيص وسيأتي بيانه في مبحث النسخ الثالث قوله تعالى فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ولا ريب أن الكتاب أحسن من الخبر فينبغي اتباعه والجواب أما أولا فبالنقض بما إذا كان الخبر متواترا أو مقرونا بقرائن العلم فإن الخصم لا يلتزم بعدم تخصيص العام الكتابي به وأما ثانيا فبالحل وهو أن الخاص أقوى دلالة من العام فهو من هذه الجهة أحسن من العام وإن كان العام باعتبار آخر أحسن منه ولك أن تمنع عموم الآية للمقام لعدم مساعدة السياق عليه وقد يستدل على المنع بالاخبار التي دلت على طرح الاخبار التي تخالف كتاب الله فإنها بعمومها أو إطلاقها تتناول المقام أيضا والجواب أن عموم تلك الأخبار للمقام معارضة بعموم ما دل على حجية أخبار الآحاد من الاخبار وقاعدة الجمع وإن قضت بتحكيم الأول فيه إلا أن الثاني لمعاضدته بالعمل كان بالترجيح أجدر على ما عرفت مضافا إلى منع شمول إطلاق المخالفة في تلك الأخبار لمثل ذلك فإن المتبادر منها المخالفة التامة بحيث لا يتيسر الجمع ولهذا لا تعرض في أخبار العلاج عند تعارض الاخبار لوجوه الجمع على أن المخالفة المذكورة لو تناولت مثل مخالفة الخاص للعام لتناولت مثل مخالفة المقيد للمطلق لتقاربهما في الدلالة وعلى تقديره يلزم طرح عموم تلك الأخبار للمقام لأنه مخالف لاطلاق آية التبين والنفر بناء على دلالتهما على حجية خبر الواحد وما يستلزم صحته فساده فهو فاسد بالضرورة وأما آية وما آتاكم الرسول فخذوه فلا مخالفة بينها وبين تلك الأخبار كما زعمه بعض المعاصرين حيث ذكرها معهما فإن هذه الآية إنما تدل على وجوب العمل بقول الرسول لا بقول من يخبر عن قوله إذا لم يوجب العلم به وهذا ظاهر وأما ما يقال من أن جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد يستلزم تخصيص تلك الآيات بهذه الاخبار فيلزم عدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد فمردود بأن تلك الأخبار قاصرة عن تخصيص الكتاب إذ غاية الامر أن يتعارضا من وجه وهو لا يوجب التخصيص وكون دلالة تلك الأخبار على المنع بالعموم والوضع ودلالة تلك الآيات بمجرد الاطلاق لا يقتضي الترجيح مع معارضتها لمرجحات أخر تقتضي تأكد تلك الاطلاقات وترجيحها كما مر احتج المفصلون على صورة المنع بما مر من أن الخاص ظني فلا تصلح لمعارضة العام القطعي وعلى صورة الجواز بأن العام فيها ظني لصيرورته مجازا أما عند الفرقة الأولى فبمطلق التخصيص وأما عند الفرقة الثانية فبالتخصيص بالمنفصل فيصلح الدليل الظني لمعارضته والجواب أنه إن أريد أن العام قطعي بمتنه فلا يعارضه الدليل الظني فهذا لا يختلف بكونه حقيقة أو مجازا قطعا فعلى تقدير ترجيحه يلزم أن لا يعارضه الظني مطلقا وهم لا يقولون به وإن أريد أن دلالته على تقدير بقائه على الحقيقة قطعية أيضا فإن أريد أنها قطعية بحسب الواقع ففساده واضح مع أنه لو كان قطعيا كذلك لم يحتمل معارضا مطلقا وإن أريد أنها قطعية بحسب الظاهر فالعام المخصوص أيضا كذلك ومثله خبر الواحد لقيام الأدلة الدالة على حجيته فلا يكون من معارضته القطعي بالظني بل بقطعي آخر ويرد على الفرقة الثانية مضافا إلى ذلك أن تخصيصهم لجواز التخصيص بصورة تخصصه بدليل منفصل ولو ظني يقتضي تسليم القول بجواز تخصيصه بخبر الواحد مطلقا لأنه من قبيل المخصص المنفصل الظني إلا أن يقال أرادوا به ما عدا الخبر الواحد لكن يبقى عليهم حينئذ إثبات الفارق احتج المتوقف بتعارض الأدلة وعدم المرجح وجوابه ما عرفت من وجوه ترجيح الخبر بقي الكلام في تخصيص الخبر المتواتر والمحفوف بخبر الواحد والظاهر أن الكلام فيه كالكلام في تخصيص الكتاب به وإن لم أقف على من ينبه عليه لجريان أكثر الوجوه المذكورة فيه تنبيه ذكر بعض أفاضل متأخري المتأخرين أن استصحاب الحكم المخالف للأصل دليل شرعي مخصص للعمومات ولا ينافيه عموم أدلة حجيته من الأخبار الدالة على عدم جواز نقض اليقين بغيره إذ ليس العبرة في العموم والخصوص بدليل الدليل وإلا لم يتحقق لنا في الأدلة دليل خاص لانتهاء حجية كل دليل إلى أدلة عامة بل بنفس الدليل ولا ريب أن الاستصحاب الجاري في كل مورد خاص به لا يتعداه إلى غيره فيقدم على العام كما يقدم غيره من الأدلة عليه ولذا يرى أن الفقهاء يستدلون في إثبات الشغل والنجاسة والتحريم بالاستصحاب في مقابلة ما دل على البراءة الأصلية وطهارة الأشياء و حليتها ومن ذلك استنادهم إلى استصحاب النجاسة والتحريم في صورة الشك في ذهاب ثلثي العصير وفي كون التحديد به تحقيقيا لا تقريبيا وفي صورة صيرورته قبل ذهاب الثلثين دبسا إلى غير ذلك هذا محصل كلامه أقول ولا يخفى ما فيه بل التحقيق أن هنا مقامين الأول تخصيص العام ورفع شموله لبعض ما يتناوله بالاستصحاب والثاني إبقاء حكم التخصيص بعد قيام دليله في بعض ما يتناوله العام بالاستصحاب أما المقام الأول فلا ريب في عدم حجية الاستصحاب فيه سواء كان موافقا للأصل أو مخالفا له لان أدلة حجيته مقصورة على صورة عدم دلالة دليل على الخلاف وإن كان في أدنى درجة من الحجية
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»