الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٢٢
الحمل بالمفهوم مجرد عدم وجوب ما عدا المقيد وعلى تقدير اعتبار الحمل بالمنطوق عدم جواز ذلك لان المطلق بالخطابين إما مطلق الطبيعة أو خصوص المقيد وعلى التقديرين فالمقصود يتحقق بفعل المقيد فيكون الاتيان بغيره حراما هذا ما يقتضيه ظاهر كلامه وهو مما لا يعقل له وجه إذ ليس قضية الحمل باعتبار المنطوق إلا مطلوبية الخاص وأما عدم جواز فعل ما عداه فهو إنما يأتي من قبيل التشريع وهو آت على تقدير اعتبار المفهوم أيضا على أنا لم نقف على مصرح في المقام بأن قضية الجمع عدم جواز الاتيان بما عدا المقيد فما المانع من تنزيل كلامهم على ما ادعاه في المفهوم من قضاء الجمع بعدم وجود ما عدا المقيد نعم ربما يتجه عكس ما ذكره بناء على تفسير البدعة بإدخال ما علم خروجه من الدين فيه كما لا يخفى حجة الأكثر على كون المقيد بيانا للمطلق أن التقييد المتأخر لو كان نسخا لكان التخصيص المتأخر أيضا نسخا لتساويهما في نفي الشمول ولكان المطلق عند تأخره عن المقيد أيضا نسخا له لان ما يوجب ذلك وهو التنافي متحقق من الطرفين وبطلان كل من اللازمين معلوم بالاتفاق وأجيب عن الأول بأن في التقييد حكما شرعيا يرفع حكما شرعيا فيكون نسخا بخلاف التخصيص فإنه لا حكم فيه ولا رفع بل إنما هو مجرد دفع وعن الثاني بأن التقييد المتأخر يثبت حكما لم يكن قبل بخلاف العكس لثبوت حكم المطلق فيه مع الزيادة وهو إنما يرفع تلك الزيادة ويرد على الجواب الأول أن في التخصيص أيضا حكما شرعيا يرفع حكما شرعيا فإن المراد بالتخصيص التخصيص بالمخالف كما يقتضيه بيان الملازمة ولا ريب في أن التخصيص بقولنا لا تكرم هذا العالم يرفع حكما شرعيا استفيد من العام المتقدم أعني قولنا أكرم العلماء مثلا وهو وجوب إكرام ذلك العالم ويثبت حكما شرعيا لم يكن ثابتا وهو عدم وجوب إكرامه فيبطل الفرق المذكور وعلى الجواب الثاني بأن المطلق المتأخر لو رفع حكم الزيادة كما عليه مبنى الجواب لكان مثبتا للحكم في المطلق من حيث كونه مطلقا ورافعا له عن المقيد من حيث كونه مقيدا فيكون كالمقيد المتأخر في كونه مثبتا لحكم شرعي فلا يستقيم الفرق المذكور بل الوجه في الفرق أن المطلق يتعين حمله على المقيد سوأ تقدم عليه أو تأخر كما عرفت لكن في صورة تقدم المطلق يثبت به حكم شرعي يرتفع بالمقيد فيكون نسخا له بخلاف صورة تأخره فإنه يحمل من أول الامر على المقيد فلا يثبت به حكم شرعي حتى يرفع بالمقيد فيكون رفعه نسخا كذا قال بعضهم وهو مبني على أن النسخ عبارة عن رفع الحكم الثابت ولو في الظاهر فيعود على تقديره الاشكال السابق وهو أن يكون التخصيص أيضا نسخا وهو خلاف ما اصطلح عليه الكل احتج من قال بأنه نسخ بأنه لو كان بيانا لكان المراد بالمطلق هو المقيد فيكون مجازا وهو مبني على الدلالة وهي منتفية إذ لا دلالة للمطلق على مقيد خاص والجواب أما أولا فبالنقض بالتخصيص فإنه لا يسمى نسخا اتفاقا كما حكاه بعضهم مع أن الوجه المذكور جار فيه بل جريانه فيه أظهر وأما ما قيل من النقض بما لو تقدم المقيد فإن المراد بالمطلق حينئذ هو المقيد مجازا ولا دلالة فيمكن دفعه بأن الدلالة متحققة في صورة السبق كما في صورة المقارنة بخلاف صورة التأخير وقد مر التنبيه عليه وكذا ما قيل أيضا من النقض بتقييد الرقبة بالسلامة فإنه مجاز ولا دلالة لها عليه لما مر وذلك لجواز أن يكون التقييد المذكور عند الخصم مستفادا من ظهور الاطلاق فيه لا لنص متأخر ولو ثبت فلا نسلم أن الخصم يساعد على عدم كونه نسخا والحال هذه وأما ثانيا فبالمنع من كون التقييد مجازا وسيأتي بيانه إن شاء وأما ثالثا فبالمنع من توقف المجاز على الدلالة إن أريد بها الدلالة المقارنة وإن أريد ما هو أعم من ذلك منعنا انتفاءه في المقام لتحققها بعد ورود المقيد ثم لا يذهب عليك أن ما ذكرناه في هذه الصورة من حمل المطلق على المقيد يجري فيما لو كانا مفردين منكرين كما مر أو معرفين بلام العهد الذهني نحو إن ظاهرت فأعتق الرقبة إن ظاهرت فأعتق الرقبة المؤمنة أو مثنيين أو مجموعين منكرين نحو إن ظاهرت فأعتق رقبتين أو رقابا إن ظاهرت فأعتق رقبتين مؤمنتين أو رقابا مؤمنة وكذا لو كانا عامين بدليلين نحو إن ظاهرت فأعتق أي رقبة تيسرت إن ظاهرت فأعتق أي رقبة مؤمنة تيسرت وأما إذا تعلق أحدهما بالعام المطلق والاخر بالعام المقيد نحو إن أفطرت فأعتق كل رقبة تملكها إن أفطرت فأعتق كل رقبة مؤمنة تملكها أو قال فأعتق الرقاب التي تملكها ثم قال فأعتق الرقاب المؤمنة التي تملكها فلا حمل من حيث الاطلاق والتقييد نعم يجوز التخصيص حيث نقول بحجية المفهوم المذكور وبجواز التخصيص به وأما نحو إن جاءك زيد فأكرم العلماء إن جاءك زيد فأكرم العلماء ببذل الهدايا لهم أو في يوم كذا أو مكان كذا أو ما أشبه ذلك فهذا من باب المطلق والمقيد فيتعين الحمل إذ عموم الفعل بالنسبة إلى أفراد العالم لا يقتضي عمومه بالنسبة إلى أفراده ولا أفراد الزمان والمكان وهذا واضح ثم لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون الأمران إيجابيين أو ندبيين لمساعدة العرف على الحمل فيهما وربما يتخيل في الأخير إبقاء الامر بالمطلق على إطلاقه وحمل الامر بالمقيد على الأفضلية وهو بالنظر إلى نفس الخطابين بعيد جدا نعم كثيرا ما يستفاد ذلك بمعونة القرائن لكنه خارج عن محل البحث و لو كان الأمران مرسلين أو كان أحدهما مرسلا والاخر معللا فإن استفدنا منهما أو من دليل آخر وحدة التكليف فلا إشكال في لزوم الحمل كما أنا لو لم نستفد ذلك فلا إشكال في إبقاء كل على حاله وأما إذا كان نهيين فلا حمل مطلقا بل يتعين العمل بكل منهما نحو لا تعتق مكاتبا لا تعتق مكاتبا كافرا وهذا القسم قد ذكره الحاجبي وغيره واعترض عليه العضدي بأنه خارج عن محل البحث لأنه من باب تخصيص العام لا من باب تقييد المطلق لعموم النكرة المنفية وجوابه أن عموم النكرة المنفية إنما هو على حسب إطلاق النكرة وتقييدها كما مر تحقيقه سابقا والكلام
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»