الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٣٣
الأول بأن الثاني أيضا متعلق بالسبب لما تحقق في محله من أن الممكن الباقي يحتاج في بقائه أيضا إلى العلة لأن علة الحاجة هي الامكان دون الحدوث وعن الثاني بأنه يقتضي توارد الأمثال وهو محال ولو نزل السؤال على أنه يجوز أن يشتمل الطاري على أفراد متعددة وهمية ولا يشتمل عليه الباقي فيرجع محصله إلى جواز أن يكون الطاري بالنسبة إلى مرتبته أشد من الباقي بالنسبة إلى مرتبته لم يندفع بالجواب المذكور نعم يدفعه أن ذلك يوجب عدم جواز نسخ الأحكام الأربعة الاقتضائية إلى الإباحة ولا الأقوى منها كالوجوب إلى الأضعف كالاستحباب ولا قائل به وربما انتصر بعضهم للحجة المذكورة بأن الطاري إما أن يقتضي عدم الباقي حال وجوده أو حال عدمه وكلاهما محال أما الأول فللزوم اجتماع الضدين وأما الثاني فلان عدمه لا يؤثر وإلا لامتنع وجود الحكم أولا أيضا لسبق العدم وضعفه ظاهر لأنا نختار أنه يقتضي عدم الباقي حال وجوده ولا يلزم اجتماع الضدين إدخال وجوده حال عدم الاخر ضرورة أن العلة والمعلول متقارنان في الزمان وإن ترتبا في الرتبة الثاني أن حكم الله تعالى خطابه وخطابه كلامه وهو قديم فيمتنع عدمه و أجيب بأن خطابه حادث وليس نفس الحكم بل دليل عليه وقد يجاب بأن خطابه تعالى قديم وتعلقه حادث فيصح رفعه ويرده أن الخطاب أمر نسبي يمتنع تعلقه إلا متعلقا فحدوث أحدهما يستلزم حدوث الاخر الثالث أنه تعالى إما أن يعلم دوام الحكم أو يعلم انقطاعه فعلى الأول يستحيل النسخ ويخرج عن محل البحث وعلى الثاني ينتهي الحكم بذاته لا بطريان الضد وهو المطلوب وأجيب بأنه يجوز أن يكون قد علم الانقطاع بالناسخ فلا يلزم الانقطاع بنفسه فصل لا ريب في إمكان النسخ ووقوعه مطلقا وفي خصوص القرآن ومخالفة اليهود في الأول والأصفهاني في الأخيرين ضعيفة وشبههم واهية لا يليق بالذكر والضرورة تنادي بخلافه فلنبحث عن شروطه وهي أمور الأول أن يكون الناسخ والمنسوخ ثابتين بالخطاب الشرعي فقط فلو كانا أو كان أحدهما ثابتا بخطاب العقل لم يكن نسخا وإن عاضده خطاب شرعي وإلا لكان جميع الأحكام التكليفية نسخا من حيث رفعها لحكم الإباحة الأصلية ولكان طريان جميع الموانع العقلية نسخا من حيث رفعها للأحكام الثابتة قبل طريانها ولو بخطاب شرعي وإن كان مانعية تلك الموانع ثابتة بخطاب الشرع أيضا نعم لو ثبت الإباحة الواقعية في مورد بخطاب الشرع ثم رفعت كان رفعها نسخا والفرق بين ذلك وبين ما ورد خطاب الشرع بإباحته عند عدم قيام دليل على خلافها بطريق العموم أن الأول يدل على الحكم الواقعي وهو لم يثبت بالعقل بخلاف الثاني فإنه إنما يدل على الحكم الظاهري وقد دل عليه العقل أيضا وكذا الحال فيما إذا دل العقل على فساد معاملة أو إيقاع للأصل وإن عاضده في إفادة ذلك خطاب شرعي بخلاف ما إذا دل الخطاب على فساد معاملة واقعا ثم رفع بخطاب آخر فإنه يعد نسخا وكذا الكلام في وجوب التجنب عن الشبهة المحصورة من حيث توقف تحصيل العلم الواجب عند العقل بحكم الأصل عليه فلو دل خطاب شرعي على عدم وجوب تحصيل العلم وعدم وجوب الاجتناب منها لم يكن نسخا نعم إذا دل خطاب على وجوب تحصيل العلم واقعا ثم دل خطاب آخر على رفعه كان نسخا وأما رفع وجوب المقدمة برفع وجوب ذي المقدمة فالظاهر أنه لا يعد نسخا وإن كانت المقدمة شرعية وأما رفع وجوبها مع بقاء وجوبه فهو يعد نسخا إن نص على وجوبها من باب المقدمة كما في المقدمة الشرعية على ما سيأتي إن شاء الله ومنها أن يكون حكم المنسوخ مستمرا ولو في الظاهر بمعنى أن يكون عمومه أو إطلاقه متناولا لزمن النسخ أيضا وإن كان منقطعا بعده فلو قال صم إلى الليل لم يكن ارتفاعه عند الليل نسخا نعم لو رفعه قبل الليل كان نسخا وقد أطلق العلامة حينئذ اشتراط الاستمرار وينبغي تنزيله على ما ذكرناه ومنها أن يتأخر الناسخ في الورود عن المنسوخ فلو تقارنا لم يكن نسخا نعم ربما أمكن فرضه فيما إذا كان الفعل المكلف به يسيرا متيسرا حال الخطاب فأتى به ثم قارنه الناسخ كما لو قال تصدقوا في كل يوم بدرهم فتصدقوا به من حيث فقال نسخ عنكم ولو فسر التأخر بتحلل العمل استقام عكس الشرط لكن يفسد طرده عند من أحاز النسخ قبل حضور وقت العمل ولا يشترط ورود الناسخ عند انتهاء زمن المنسوخ بل يصح أن يتقدم عليه فلو قال لا تفعلوا كذا أبدا ثم قال يجوز لكم ذلك بعد مضي مدة كذا كان نسخا هل يعتبر تأخر الناسخ بالبيان التفصيلي والاجمالي أو يكفي تأخر بيانه التفصيلي وإن قارن بيانه الاجمالي قولان ذهب السيد المرتضى إلى الأول على ما حكي عنه في المعالم وذهب العلامة في التهذيب إلى الثاني وتظهر الثمرة في مثل قوله دوموا على هذا الفعل إلى أن نسخه عنكم ثم نسخه فإنه على الثاني نسخ بخلافه على الأول والمختار عندي هو الثاني للاتفاق على أن شريعة نبينا صلى الله عليه وآله ناسخة لشريعة من قبله من الأنبياء مع أنهم قد أخبروا قومهم بمجيئه وينسخ دينه سائر الأديان كما يدل عليه قوله تعالى ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فلم يقدح ذلك البيان الاجمالي في كونه نسخا ومنها أن يكون الفعل مما يصح أن يتغير جهاته في الحسن والقبح فلو تعين جهة حسنه كالايمان أو جهة قبحه كالكفر امتنع طريان النسخ عليه لأدائه إلى الاخلال باللطف وأما ما ورد من أن نية السوء لا تكتب على هذه الأمة منة منه تعالى عليهم فإن قلنا بعدم استقلال العقل بقبحها فلا إشكال وإن قلنا باستقلاله به أمكن دفعه بأن الرواية إنما دلت على نفي المؤاخذة من حيث التفضل وهو لا ينافي التحريم من حيث التفضل وهو لا ينافي التحريم من حيث ثبوت الاستحقاق هذا على ما تداول بينهم من أن حسن التكليف تابع لجهات الفعل من حسنه وقبحه وأما على ما نراه من أنه تابع لجهات التكليف وأنها لا تنحصر في جهات الفعل فلا بد من تبديل هذا الشرط باشتراط كون التكليف مما يصح أن يتغير جهاته في الحسن والقبح فلو
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»