الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٣١
من الحد الثاني مستدركان أيضا أما الأول فلان الرفع لا يكون إلا إذا كان الحكم بحيث لولا الخطاب لكان ثابتا وأما الثاني فلانه لولاه لم يتقرر الحكم الأول وكان دفعا لا رفعا كالتخصيص وكذلك القيد الأخير من الحد الثالث لما مر مع أنه كالحد الأول يتناول مثل ما لو قال يجب عليك الحج في تمام العمر مرة واحدة فإن قيد المرة يدل على ارتفاع مثل الحكم السابق بعدها وهو وجوب الحج بجميع القيود المعتبرة قلت بل يرد عليه النقض بكل تخصيص متأخر ولا يختص بالفرض المذكور وعرفه الحاجبي بأنه رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر فاحترز بقيد الشرعي عن رفع المباح الثابت بحكم الأصل فإن دفعه ليس بنسخ وإلا لكان ثبوت كل حكم مما عدا الإباحة نسخا وليس كذلك وكذا الحال في رفع سائر الأحكام العقلية الظاهرية كوجوب تحصيل العلم بالبراءة عن المكلف به ومنه ترك المباح المشتبه بالحرام وكالتخيير بين المقدمات البدلية إلى غير ذلك من أحكامها الظاهرية وأما الواقعية منها فيه غير قابلة للنسخ و تخصيص بعضهم كالعضدي لذلك برفع الإباحة الأصلية منزل على التمثيل بالغالب وبقوله بدليل شرعي عن رفعه بالموت والنوم و الغفلة والمجنون فإن الحكم هناك إنما يرتفع بطريان تلك الأحوال بحكم العقل وأما قوله عليه السلام رفع القلم عن ثلاثة فبيان لكونها رافعة ومؤكد لما دل عليه العقل عند ورود الخطاب السابق ويشكل هذا على قولهم بنفي التحسين والتقبيح العقليين وبقيد المتأخر عما لو لم يتأخر الرافع كقوله صلى الله عليه وآله صم إلى آخر الشهر و جعله العضدي قيدا توضيحيا لان دلالة الكلام بالتمام فلم يثبت بأول الكلام حتى يرفع أقول ويرد على طرده أولا بما مر في الايراد الرابع و السادس وثانيا بالمخصص والمقيد المتأخرين فإنهما دليلان شرعيان يرفعان الحكم الشرعي عن بعض موارده وثالثا بدليل المعارض الأقوى إذا وجده المجتهد بعد أن أفتى بمقتضى الأضعف و رابعا بما دل على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب اللفظي عن موضوع معين عند طريان وصف عليه إذا ورد متأخرا عنه كارتفاع نجاسة العصير بعد ذهاب ثلثيه بما دل على ارتفاعها بعده وكارتفاع نجاسة النجس بعد الاستحالة أو المتنجس بعد الغسل المعهود بما دل عليه من النص إذا كان وروده متأخرا إلى غير ذلك مما لا حصر له لا يقال إنما يرتفع الحكم هناك بالسبب الطاري لا بالخطاب اللاحق فإنه إنما يكشف عنه لأنا نقول سببية الطاري إنما هو بجعل الشارع ووضعه وهو حكم شرعي فالارتفاع في الحقيقة إنما يكون به وخامسا بأن تفسير الحكم الشرعي بما ورد خطاب من الشارع به مما لا يساعد عليه اللفظ فإن المتبادر منه ما من شأنه أن يكون مأخوذا من الشارع سواء استقل بإثباته العقل أو لا كما مر في صدر الكتاب في تعريف الفقه ومع التنزل فنمنع عدم ورود خطاب لفظي بالإباحة الأصلية كيف لا وهو مفاد قوله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها وقوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي إلى قوله وما لا يعلمون وما ورد من أنه لا تكليف إلا بعد البيان إلى غير ذلك ويمكن التفصي عما أوردناه في الايراد الرابع وما ذكرناه في الوجه الثاني والثالث بأن المراد بالحكم الشرعي هو الحكم الواقعي فقط والحكم الثابت في تلك الموارد إنما هو حكم ظاهري أما في الأول فلان الاخبار إنما يكون رافعا بالقياس إلى الظاهر وأما بالقياس إلى الواقع فإنما هو بيان لوجود الرافع وأما في الثاني فظاهر وأما في الثالث فلان الحكم الأول إن كان ظاهريا فلا إشكال وإن كان واقعيا فهو لا يرتفع بالدليل الثاني وإنما يعذر المجتهد به ومن هذا الجواب يندفع الاشكالات التي أوردناها على الحدود السابقة أيضا لكن يشكل على تقدير تفسير النسخ بالارتفاع وعما أوردنا في الايراد السادس بأن قيد الحيثية في الدليل الشرعي معتبر وظاهر أن قوله لا تفعل إنما يرفع من حيث كونه قول لا تفعل لا من حيث كونه دليلا شرعيا و إن كان في نفسه دليلا شرعيا لكن يبقى الاشكال بما إذا جعل الغاية نفس الدليل الشرعي كما إذا قال صم إلى أن تقف على دليل شرعي يقتضي عدم وجوبه وستقف عليه ويمكن دفعه بالتزام كون مثله نسخا إذا كان الرفع في الواقع بذلك الدليل كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى وعن الرابع بأن الظاهر من سببية الدليل استقلاله به عند ثبوته وظاهر أن الرفع هناك لا يستند إليه على الاستقلال بل بضميمة طريان المورد وعن الخامس بأن الحكم الشرعي كما يطلق على المعنى المتناول للحكم العقلي كذلك قد يطلق على ما يقابله وهو المراد به هنا ولو بقرينة بيانهم و ورود الخطاب اللفظي بمقتضاه لا يخرجه عن كونه عقليا لسبق حكم العقل به فيكون ذلك تأكيدا له كالخطاب الدال على ارتفاع التكليف بالعجز مع استقلال العقل به ومثله الكلام في وجوب المقدمة و قد ظهر مما حققنا أن حد الحاجبي أظهر الحدود التي أوردوها في المقام وقد اختاره العلامة وزاد عليه قوله على وجه لولاه لكان ثابتا واحترز به عما لو نهى عما أمر به على الاطلاق بعد الاتيان به مرة فإن مقتضاه رفع الحكم السابق ولا يعد نسخا وضعفه ظاهر لان الامر إن كان للدوام كان النهي رافعا له فيكون نسخا قطعا كما لو صرح بالدوام فلا وجه لاخراجه مع أن القيد المذكور لا يساعد على خروجه وإن لم يكن للدوام كان الحكم مرتفعا بنفس الامتثال فلا يكون الرفع بالنهي حتى يتجه دخوله في الحد وجعله الفاضل المعاصر احترازا عن الحكم المحدود إلى وقت أو الوارد بصيغة الامر بناء على عدم إفادته للتكرار فيبقى إثبات الحكم بعنوان الاطلاق القابل للاستصحاب مثل الحكم بحل الأشياء وحرمتها ونحو ذلك هذا لفظه وفيه نظر لان التحديد بالوقت إن كان مقارنا للخطاب فهو خارج بقيد المتأخر وإن تأخر لم يخرج بالقيد المذكور وأما ما ذكره من أن الحكم الثابت بالامر المطلق قابل للاستصحاب فإن أراد أنه مما يصح إثباته بدليل الاستصحاب فضعفه ظاهر وقد مر التنبيه عليه في مبحث الامر وإن أراد أنه مما يجوز بقاؤه في الواقع ففيه أن النسخ ليس عبارة عما يرفع احتمال
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»