ان اكل طعامه مخالف لذلك، وان العقوبة انما تتعلق بخروجه عن أن يكون اكلا لطعامه لان " غير " هاهنا ليس بواجب أن يكون بمعنى " الا " الموضوعة للاستثناء، بل جائز أن يكون بمعنى خلاف، فكأنه قال: (لا يتبع خلاف سبيل المؤمنين وما هو غير سبيلهم) ولم يرد لا يتبع الا سبيلهم.
وقول القائل: (من اكل غير طعامي عاقبته) لا يفهم من ظاهر لفظه ومجرده ايجاب اكل طعامه، بل المفهوم حظر اكل كلما هو غير لطعامه، وحال طعامه في الحظر والإباحة موقوفة على الدليل.
وأقل أحوال هذا اللفظ عند من ذهب إلى أن لفظة " غير " مشتركة بين الاستثناء وغيره، وان ظاهرها لا يفيد أحد الامرين، أن يكون محتملا لما ذكرناه من حظر أكل غير طعامه، ومحتملا لايجاب أكل طعامه، ووضع لفظة " غير " مكان لفظة " إلا " وانما يكون في بعض المواضع يفهم عن مستعمل هذه اللفظة ايجاب اكل طعامه لا بمجرد اللفظ، بل بان يعرف قصده إلى الايجاب أو بغير ذلك من دلائل الحال، ولولا ذلك لما حسن أن يقول: القائل: (من اكل غير طعامي عاقبته، ومن اكل طعامي أيضا عاقبته)، وكان يجب أن يكون نقضا، أو جاريا مجرى قوله: (من اكل الا طعامي عاقبته، ومن اكل طعامي عاقبته)، فلما حسن ذلك مع استعمال لفظة " غير " ولم يحسن مع استعمال لفظة " إلا " دل على صحة ما قلناه.
فان قيل: لو لم يكن اتباع سبيل المؤمنين حجة وصوابا لكان حاله في أنه قد يكون صوابا أو خطأ، بحسب قيام الدلالة على ذلك حال اتباع غير سبيلهم في أنه قد يكون صوابا أو خطأ، ولو كان كذلك لم يصح ان يعلق الوعيد باتباع غير سبيلهم دون اتباع سبيلهم، فكان يبطل معنى الكلام.
قيل له: غير منكر ان يعلق الوعيد باتباع غير سبيلهم، من حيث علم أن ذلك لا يكون الا خطأ، ويكون اتباع سبيلهم مما يجوز أن يكون خطأ وصوابا، ولو لم يكن كذلك وكان الأمران متساويين لجاز أن يعلق الوعيد بأحدهما دون الاخر، ويكون الصلاح للمكلفين ان يعلموا خطر اتباع غير سبيلهم بهذا اللفظ، ويعلموا مساواة اتباع