تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٧٤
عليه من الظهور بحيث لا حاجة إلى ذكره أصلا وكذا في التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام تشريف له وتنبيه على أن إنزاله إليه تربية وتكميل له عليه السلام «والمؤمنون» أي الفريق المعروفون بهذا الاسم فاللام عهدية لا موصلة لإفضائها إلى خلو الكلام عن الجدوى وهو مبتدأ وقوله عز وجل «كل» مبتدأ ثان وقوله تعالى «آمن» خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول والرابط بينهما الضمير الذي ناب منابه التنوين وتوحيد الضمير في آمن مع رجوعه إلى كل المؤمنين لما أن المراد بيان إيمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع كما اعتبر ذلك في قوله تعالى «وكل أتوه داخرين» وتغيير سبك النظم الكريم عما قبله لتأكيد الإشعار بما بين إيمانه عليه السلام المبني على المشاهدة والعيان وبين إيمانهم الناشئ عن الحجة والبرهان من التفاوت البين والاختلاف الجلي كأنهما مختلفان من كل وجه حتى في هيئة التركيب الدال عليهما وما فيه من تكرير الإسناد لما في الحكم بإيمان كل واحد منهم على الوجه الآتي من نوع خفاء محوج إلى التقوية والتأكيد أي كل واحد منهم آمن «بالله» وحده من غير شريك له في الألوهية والمعبودية «وملائكته» أي من حيث انهم عباد مكرمون له تعالى من شأنهم التوسط بينه تعالى وبين الرسل بإنزال الكتب والقاء الوحي فإن مدار الايمان بهم ليس من خصوصيات ذواتهم في أنفسهم بل هو من إضافتهم اليه تعالى من الحيثية المذكورة كما يلوح به الترتيب في النظم «وكتبه ورسله» أي من حيث مجيئهما من عنده تعالى لإرشاد الخلق إلى ما شرع لهم من الدين بالأوامر والنواهي لكن لا على الاطلاق بل على أن كل واحد من تلك الكتب منزل منه تعالى إلى رسول معين من أولئك الرسل عليهم الصلاة والسلام حسبما فصل في قوله تعالى «قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم» الآية ولا على ان مناط الايمان خصوصية ذلك الكتاب أو ذلك الرسول بل على ان الايمان بالكل مندرج في الايمان بالكتاب المنزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ومستند اليه لما تلى من الآية الكريمة ولا على ان أحكام الكتب السالفة وشرائعها باقية بالكلية ولا على ان الباقي منها معتبر بالإضافة إليها بل على ان احكام كل واحد منها كانت حقة ثابتة إلى ورود كتاب آخر ناسخ له وأن ما لم ينسخ منها إلى الآن من الشرائع والاحكام ثابتة من حيث انها من احكام هذا الكتاب المصون عن النسخ إلى يوم القيامة وانما لم يذكر ههنا الايمان باليوم الآخر كما ذكر في قوله تعالى «ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين» لاندراجه في الايمان بكتبه وقرئ وكتابه على أن المراد به القرآن أو جنس الكتاب كما في قوله تعالى «فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب» والفرق بينه وبين الجمع أنه شائع في أفراد الجنس والجمع في جموعه ولذلك قيل الكتاب أكثر من الكتب وهذا نوع تفصيل لما أجمل في قوله تعالى «بما أنزل إليه من ربه» اقتصر عليه ايذانا بكفايته في الايمان الاجمالي المتحقق في كل فرد من أفراد المؤمنين من غير نفي لزيادة ضرورة اختلاف طبقاتهم وتفاوت ايمانهم بالأمور المذكورة في مراتب التفصيل تفاوتا فاحشا فإن الاجمال في الحكاية لا يوجب الاجمال في المحكى كيف لا وقد أجمل في حكاية ايمانه عليه السلام بما أنزل اليه من ربه مع بداهة كونه متعلقا بتفاصيل ما فيه من الجلائل والدقائق ثم إن الأمور المذكورة
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271