تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٧٣
كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته متعال عن أن يكون بطريق حصول الصور بل وجود كل شئ في نفسه في أي طور كان علم بالنسبة إليه تعالى وهذا لا يختلف الحال بين الأشياء البارزة والكامنة خلا أن مرتبه الإخفاء متقدمة على مرتبة الإبداء إذ ما من شئ يبدي إلا وهو أو مباديه قبل ذلك مضمر في النفس فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية وقد مر في تفسير قوله تعالى أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون «فيغفر» بالرفع على الاستئناف أي فهو يغفر بفضله «لمن يشاء» أن يغفر له «ويعذب» بعدله «من يشاء» أن يعذبه حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح وتقديم المغفرة على التعذيب لتقدم رحمته على غضبه وقرئ بجزم الفعلين عطفا على جواب الشرط وقرئ بالجزم من غير فاء على أنهما بدل من الجواب بدل البعض أو الاشتمال ونظيره الجزم على البدلية من الشرط في قوله * متى تأتنا تلمم بنافي ديارنا * تجد حطبا جزلا ونارا تأججا * وإدغام الراء في اللام لحن «والله على كل شيء قدير» تذييل مقرر لمضمون ما قبله فإن كمال قدرته تعالى على جميع الأشياء موجب لقدرته سبحانه على ما ذكر من المحاسبة وما فرع عليه من المغفرة والتعذيب «آمن الرسول» لما ذكر في فاتحة السورة الكريمة أن ما انزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم الشأن هدى للمتصفين بما فصل هناك من الصفات ألفا ضلة التي من جملتها الإيمان به وبما انزل قبله من الكتب الإلهية وأنهم حائزون لإثرتى الهدى والفلاح من غير تعيين لهم بخصوصهم ولا تصريح بتحقيق اتصافهم بها إذ ليس فيما يذكر في حيز الصلة حكم بالفعل وعقب ذلك ببيان حال من كفر به من المجاهرين والمنافقين ثم شرح في تضاعيفها من فنون الشرائع والأحكام والمواعظ والحكم وأخبار سوالف الأمم وغير ذلك ما تقتضى الحكمة شرحة عين في خاتمتها المتصفون بها وحكم باتصافهم بها على طريق الشهادة لهم من جهته عز وجل بكمال الإيمان وحسن الطاعة وذكر صلى الله عليه وسلم بطريق الغيبة مع ذكر هناك بطريق الخطاب لما أن حق الشهادة الباقية على مر الدهور أن لا يخاطب بها المشهود له ولم يتعرض ههنا لبيان فوزهم بمطالبهم التي من جملتها ما حكى عنهم من الدعوات الآتية إيذانا بأنه أمر محقق غنى عن التصريح به لا سيما بعد ما نص عليه فيما سلف وإيراده صلى الله عليه وسلم بعنوان الرسالة المنبئة عن كونه صلى الله عليه وسلم صاحب كتاب مجيد وشرع جديد تمهيد لما يعقبه من قوله تعالى «بما أنزل إليه» ومزيد توضيح لاندراجه في الرسل المؤمن بهم عليهم السلام والمراد بما انزل إليه ما يعم كله وكل جزء من أجزائه ففيه تحقيق لكيفية إيمانه صلى الله عليه وسلم وتعيين لعنوانه أي آمن عليه السلام بكل ما أنزل إليه «من ربه» والكتب وغير ذلك من حيث أنه منزل منه تعالى وإما الإيمان بحقية أحكامه وصدق أخباره ونحو ذلك فمن فروع الإيمان به من الحيثية المذكورة وفي هذا الإجمال إجلال لمحله صلى الله عليه وسلم وإشعار بأن تعلق إيمانه بتفاصيل ما أنزل إليه وإحاطته بجميع ما انطوى
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271