الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٣ - الصفحة ٢٧٣
فنودي ان الله قد تاب عليك فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلق عنه رباطه فأبى ان يطلقه أحد الا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقه بيده فقال أبو لبابة حين أفاق يا رسول الله انى أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وانتقل إليك فأسكنك وإني أختلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال يجزى عنك الثلث فهجر أبو لبابة دار قومه وساكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصدق بثلث ماله ثم تاب فلم ير منه في الاسلام بعد ذلك الا خير حتى فارق الدنيا * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة تبوك فتخلف أبو لبابة ورجلان معه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن أبا لبابة ورجلين معه تفكروا وندموا وأيقنوا بالهلكة وقالوا نحن في الظل والطمأنينة مع النساء ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه في الجهاد والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقنا ويعذرنا فانطلق أبو لبابة فأوثق نفسه ورجلان معه بسواري المسجد وبقى ثلاثة لم يوثقوا أنفسهم فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وكان طريقه في المسجد فمر عليهم فقال من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسواري فقال رجل هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاهدوا الله لا يطلقون أنفسهم حتى تكون الذين أنت تطلقهم وترضى عنهم وقد اعترفوا بذنوبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أطلقهم حتى أومر باطلاقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله يعذرهم وقد تخلفوا ورغبوا عن المسلمين بأنفسهم وجهادهم فأنزل الله تعالى وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية وعسى من الله واجب فلما نزلت الآية أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرهم فانطلق أبو لبابة وأصحابه بأموالهم فاتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا خذ من أموالنا فتصدق بها عنا وصل علينا يقولون استغفر لنا وطهرنا فقال لا آخذ منها شيئا حتى أومر به فأنزل الله خذ من أموالهم صدقة الآية قال وبقى الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة ولم يتوبوا ولم يذكروا بشئ ولم ينزل عذرهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وهم الذين قال الله وآخرون مرجون لأمر الله الآية فجعل الناس يقولون هلكوا إذ لم ينزل لهم عذر وجعل آخرون يقولون عسى الله أن يتوب عليهم فصاروا مرجئين لأمر الله حتى نزلت لقد تاب الله على النبي إلى قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا يعنى المرجئين لأمر الله نزلت عليهم التوبة فعملوا بها * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم قال هم الثمانية الذين ربطوا أنفسهم بالسواري منهم كردم ومرداس وأبو لبابة * وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيأ قال ذكر لنا انهم كانوا سبعة رهط تخلفوا من غزوة تبوك منهم أربعة خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا جد بن قيس وأبو لبابة وحرام وأوس كلهم من الأنصار تيب عليهم وهم الذين قيل خذ من أموالهم صدقة * وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى في قوله خلطوا عملا صالحا وآخر سيأ قال غزوهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر سيئا قال تخلفهم عنه * وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في التوبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الايمان عن أبي عثمان النهدي قال ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا الآية * وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن مطرف قال انى لأستلقي من الليل على فراشي وأتدبر القرآن فاعرض أعمالي على أعمال أهل الجنة فإذا أعمالهم شديدة كانوا قليلا من الليل ما يهجعون يبيتون لربهم سجدا وقياما أمن هو قانت آناء الليل وساجد وقائما فلا أراني منهم فاعرض نفسي على هذه الآية ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين إلى قوله نكذب بيوم الدين فأرى القوم مكذبين فلا أراني منهم فامر بهذه الآية وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيأ فأرجو ان أكون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم * وأخرج أبو الشيخ وابن المنذر وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر بسند قوى عن جابر عن عبد الله قال كان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ستة أبو لبابة وأوس بن جذام وثعلبة بن وديعة وكعب بن مالك ومرارة ابن الربيع وهلال بن أمية فجاء أبو لبابة وأوس بن جذام وثعلبة فربطوا أنفسهم بالسواري وجاؤا بأموالهم فقالوا يا رسول الله خذ هذا الذي حبسنا عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحلهم حتى يكون قتال فنزل
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست