تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢١٣
والتمكين إقرار الشئ وإثباته في المكان، وهو كناية عن إعطاء القدرة والاستطاعة في التصرف و (ما) في (فيما) موصولة أو موصوفة و (إن) نافية، والمعنى: ولقد جعلنا قوم هود في الذي - أو في شئ - ما مكناكم معشر كفار مكة ومن يتلوكم فيه من بسطة الأجسام وقوة الأبدان والبطش الشديد والقدرة القومية.
وقوله: (وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة) أي جهزناهم بما يدركون به ما ينفعهم وما يضرهم وهو السمع والابصار وما يميزون به ما ينفعهم مما يضرهم فيحتالون لجلب النفع ولدفع الضر بما قدروا كما أن لكم ذلك.
وقوله: (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ إذ كانوا يجحدون بآيات الله) ما في (فما أغنى) نافية لا استفهامية، و (إذ) ظرف متعلق بالنفي الذي في قوله: (فما أغنى).
ومحصل المعنى: أنهم كانوا من التمكن على ما ليس لكم ذلك وكان لهم من أدوات الادراك والتمييز ما يحتال به الانسان لدفع المكاره والاتقاء من الحوادث المهلكة المبيدة لكن لم يغن عنهم ولم ينفعهم هذه المشاعر والأفئدة شيئا عند ما جحدوا آيات الله فما الذي يؤمنكم من عذاب الله وأنتم جاحدون لايات الله.
وقيل: معنى الآية: ولقد مكناهم في الذي أو في شئ ما مكناكم فيه من القوة والاستطاعة وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ليستعملوها فيما خلقت له ويسمعوا كلمة الحق ويشاهدوا آيات التوحيد ويعتبروا بالتفكر في العبر، ويستدلوا بالتعقل الصحيح على المبدء والمعاد فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ حيث لم يستعملوها فيما يوصل إلى معرفة الله سبحانه، هذا ولعل الذي قدمناه من المعنى أنسب للسياق.
وقد جوزوا في مفردات الآية وجوها لم نوردها لعدم جدوى فيها.
وقد تقدم في نظائر قوله: (سمعا وأبصارا وأفئدة) أن إفراد السمع - والمراد منه الجمع - لمكان مصدريته في الأصل نظير الضيف والقربان والجنب، قال تعالى:
ضيف إبراهيم المكرمين) الذاريات: 24، وقال: (إذ قربا قربانا) المائدة: 27، وقال: (وإن كنتم جنبا) المائدة: 6.
(٢١٣)
مفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست