إملاء ما من به الرحمن - أبو البقاء العكبري - ج ١ - الصفحة ٧٩
ولا يجوز أن يكون العامل فيه لفظ الوصية المذكورة في الآية لأنها مصدر، والمصدر لا يتقدم عليه معموله، وهذا الذي يسمى التبيين، وأما قوله (إن ترك خيرا) فجوابه عند الأخفش (الوصية) وتحذف الفاء، أي فالوصية للوالدين، واحتج بقول الشاعر:
من يفعل الحسنات الله يشكرها * والشر بالشر عند الله مثلان فالوصية على هذا مبتدأ، و (وللوالدين) خبره، وقال غيره: جواب الشرط في المعنى ما تقدم من معنى كتب الوصية، كما تقول: أنت ظالم إن فعلت، ويجوز أن يكون جواب الشرط معنى الإيصاء لا معنى الكتب، وهذا مستقيم على قول من رفع الوصية بكتب وهو الوجه، وقيل المرفوع بكتب الجار والمجرور وهو عليكم، وليس بشئ (بالمعروف) في موضع نصب على الحال: أي ملتبسة بالمعروف لا جور فيها (حقا) منصوب على المصدر: أي حق ذلك حقا، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف: أي كتبا حقا أو إيصاء حقا، ويجوز في غير القرآن الرفع بمعنى ذلك حق، و (على المتقين) صفة لحق، وقيل هو متعلق بنفس المصدر وهو ضعيف، لأن المصدر المؤكد لا يعمل، وإنما يعمل المصدر المنتصب بالفعل المحذوف إذا ناب عنه كقولك: ضربا زيدا: أي اضرب.
قوله تعالى (فمن بدله) من شرط في موضع رفع مبتدأ، والهاء ضمير الإيصاء لأنه بمعنى الوصية، وقيل هو ضمير الكتب، وقيل هو ضمير الأمر بالوصية أو الحكم المأمور به، وقيل هو ضمير المعروف، وقيل ضمير الحق (بعد ما سمعه) " ما " مصدرية، وقيل هي بمعنى الذي: أي بعد الذي سمعه من النهى عن التبديل، والهاء في (إثمه) ضمير التبديل الذي دل عليه بدل.
قوله تعالى (من موص) يقرأ بسكون الواو وتخفيف الصاد، وهو من أوصى وبفتح الواو وتشديد الصاد وهو من وصى وكلتاهما بمعنى واحد، ولا يراد بالتشديد هنا التكثير، لأن ذلك إنما يكون في الفعل الثلاثي إذا شدد، فأما إذا كان التشديد نظير الهمزة فلا يدل على التكثير، ومثله نزل وأنزل، ومن متعلقة بخاف، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أن تجعل صفة لجنف في الأصل، ويكون التقدير: فمن خاف جنفا كائنا من موص، فإذا قدم انتصب على الحال، ومثله أخذت من زيد مالا.
إن شئت علقت " من " بأخذت وإن شئت كان التقدير: مالا كائنا من زيد.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست