إملاء ما من به الرحمن - أبو البقاء العكبري - ج ١ - الصفحة ٦٤
مفعول سفه، لأن معناه جهل، تقديره: إلا من جهل خلق نفسه أو مصيرها، وقيل التقدير: سفه بالتشديد، وقيل التقدير في نفسه. وقال الفراء: هو تمييز، وهو ضعيف لكونه معرفة (في الآخرة) متعلق بالصالحين: أي وإنه من الصالحين في الآخرة، والألف واللام على هذا للتعريف لا بمعنى الذي، لأنك لو جعلتها بمعنى الذي لقدمت الصلة على الموصول، وقيل هي بمعنى الذي، وفى متعلق بفعل محذوف يبينه الصالحين، تقديره: إنه لصالح في الآخرة، وهذا يسمى التبيين، ونظيره:
ربيته حتى إذا تمعددا * كان جزائي بالعصا أن أجلدا تقديره: كان جزائي الجلد بالعصا، وهذا كثير في القرآن والشعر.
قوله تعالى (إذ قال له) إذ ظرف لاصطفيناه، ويجوز أن يكون بدلا من قوله في الدنيا، ويجوز أن يكون التقدير: اذكر إذ قال (لرب العالمين) مقتضى هذا اللفظ أن يقول: أسلمت لك، لتقدم ذكر الرب، إلا أنه أوقع المظهر موقع المضمر تعظيما، لأن فيه ما ليس في اللفظ الأول، لأن اللفظ الأول يتضمن أنه ربه، وفى اللفظ الثاني اعترافه بأنه رب الجميع.
قوله تعالى (ووصى بها) يقرأ بالتشديد من غير ألف، وأوصى بالألف وهما بمعنى واحد، والضمير في بها يعود إلى الملة (ويعقوب) معطوف على إبراهيم، ومفعوله محذوف تقديره: وأوصى يعقوب بنيه، لأن يعقوب أوصى بنيه أيضا، كما أوصى إبراهيم بنيه، ودليل ذلك قوله " إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي " والتقدير: قال يا بنى، فيجوز أن يكون إبراهيم قال يا بنى، ويجوز أن يكون يعقوب، والألف في (اصطفى) بدل من ياء بدل من واو، وأصله من الصفوة، والواو إذا وقعت رابعا فصاعدا قلبت ياء، ولهذا تمال الألف في مثل ذلك (فلا تموتن) النهى في اللفظ عن الموت، وهو في المعنى على غير ذلك: والتقدير:
لا تفارقوا الإسلام حتى تموتوا (وأنتم مسلمون) في موضع الحال، والعامل الفعل قبل إلا.
قوله تعالى (أم كنتم) هي المنقطعة: أي بل أكنتم (شهداء) على جهة التوبيخ (إذ حضر) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الأصل وتليين الثانية وجعلها بين بين، ومنهم من يخلصها ياء لانكسارها والجمهور على نصب (يعقوب) ورفع (الموت) وقرئ بالعكس والمعنيان متقاربان، وإذ الثانية بدل من الأولى، والعامل في الأولى
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست