الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٧١
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون. قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شئ عليم. يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هديكم للإيمان إن كنتم صادقين. إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون.
____________________
الحق منه، فإن قلت: ما معنى ثم ههنا وهى للتراخي وعدم الارتياب يجب أن يكون مقارنا للإيمان لأنه وصف فيه لما بينت من إفادة الإيمان معنى الثقة والطمأنينة التي حقيقتها التيقن وانتفاء الريب؟ قلت: الجواب على طريقين: أحدهما أن من وجد منه الإيمان ربما اعترضه الشيطان أو بعض المضلين بعد ثلج الصدر فشككه وقذف في قلبه ما يثلم يقينه أو نظر هو نظرا غير سديد يسقط به على الشك، ثم يستمر على ذلك راكبا رأسه لا يطلب له مخرجا، فوصف المؤمنون حقا بالبعد عن هذه الموبقات ونظيره قوله - ثم استقاموا - والثاني أن الإيقان وزوال الريب لما كان ملاك الإيمان أفرد بالذكر بعد تقدم الإيمان تنبيها على مكانه وعطف على الإيمان بكلمة التراخي إشعارا باستقراره في الأزمنة المتراخية المتطاولة غضا جديدا (وجاهدوا) يجوز أن يكون المجاهد منويا وهو العدو المحارب أو الشيطان أو الهوى، وأن يكون جاهد مبالغة في جهد، ويجوز أن يراد بالمجاهدة بالنفس الغزو وأن يتناول العبادات بأجمعها، وبالمجاهدة بالمال نحو ما صنع عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة، وأن يتناول الزكوات وكل ما يتعلق بالمال من أعمال البر، التي يتحامل فيها الرجل على ماله لوجه الله تعالى (أولئك هم الصادقون) الذين صدقوا في قولهم آمنا ولم يكذبوا كما كذب أعراب بنى أسد، أو هم الذين إيمانهم إيمان صدق وإيمان حق وجد وثبات. يقال ما علمت بقدومك: أي ما شعرت به ولا أحطت به، ومنه قوله تعالى (أتعلمون الله بدينكم) وفيه تجهيل لهم. يقال من عليه بيد: أسداها إليه كقولك أنعم عليه وأفضل عليه، والمنة النعمة التي لا يستثيب مسديها من يزلها إليه، واشتقاقها من المن الذي هو القطع لأنه إنما يسديها إليه ليقطع بها حاجته لا غير من غير أن يعمد لطلب مثوبة، ثم يقال من عليه صنعه: إذا اعتده عليه منة وإنعاما، وسياق هذه الآية فيه لطف ورشاقة، وذلك أن الكائن من الأعاريب قد سماه الله إسلاما، ونفى أن يكون زعموا إيمانا، فلما منوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منهم قال الله سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام: إن هؤلاء يعتدون عليك بما ليس جديرا بالاعتداد به من حدثهم الذي حق تسميته أن يقال له إسلام، فقل لهم لا تعتد على إسلامكم: أي حدثكم المسمى إسلاما عندي لا إيمانا، ثم قال: بل الله يعتد عليكم أن أمدكم بتوفيقه حيث هداكم للإيمان على ما زعمتم وادعيتم أنكم أرشدتم إليه ووفقتم له إن صح زعمكم وصدقت دعواكم، إلا أنكم تزعمون وتدعون ما الله عليم بخلافه.
(٥٧١)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 » »»