الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٦٨
بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم.
____________________
قال: لقد فعلت هذى النوى به فعلة * أصاب النوى قبل الممات أثامها والهمزة فيه عن الواو كأنه يثم الأعمال: أي يكسرها بإحباطه. وقرئ ولا تحسسوا بالحاء والمعنيان متقاربان، يقال تجسس الأمر إذا تطلبه وبحث عنه تفعل من الجس، كا أن التلمس بمعنى التطلب من اللمس لما فيه اللمس من الطلب، وقد جاء بمعنى الطلب في قوله تعالى - وأنا لمسنا السماء - والتحسس التعرف من الحس ولتقاربهما قيل لمشاعر الإنسان الحواس بالحاء والجيم، والمراد النهى عن تتبع عورات المسلمين ومعايبهم والاستكشاف عما ستروه. وعن مجاهد: خذوا ما ظهر ودعوا ما ستره الله. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه خطب فرفع صوته حتى أسمع العواتق في خدورهن قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تتبعوا عورات المسلمين، فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته " وعن زيد بن وهب قلنا لابن مسعود: هل لك في الوليد بن عقبة بن أبي معيط تقطر لحيته خمرا؟ فقال ابن مسعود: إنا قد نهينا عن التجسس فإن ظهر لنا شئ أخذنا به. غابه واغتابه كغاله واغتاله، والغيبة من الاغتياب كالغيلة من الاغتيال، وهى ذكر السوء في الغيبة " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال: أن تذكر أخاك بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته " وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الغيبة إدام كلاب الناس (أيحب أحدكم) تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه. وفيه مبالغات شتى: منها الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة، ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها إن لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخا، ومنها إن لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعل ميتا. وعن قتادة: كما تكره إن وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها كذلك فأكره لحم أخيك وهو حي. وانتصب (ميتا) على الحال من اللحم، ويجوز أن ينتصب عن الأخ.
وقرئ ميتا. ولما قررهم عز وجل بأن أحدا منهم لا يحب أكل جيفة أخيه عقب ذلك بقوله تعالى (فكرهتموه) معناه فقد كرهتموه، واستقر ذلك وفيه معنى الشرط: أي إن صح هذا فكرهتموه وهى على الفاء الفصيحة:
أي فتحققت بوجوب الإقرار عليكم وبأنكم لا تقدرون على دفعه وإنكاره لإباء البشرية عليكم أن تجحدوه كراهتكم له وتقذركم منه، فليتحقق أيضا أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة والطعن في أعراض المسلمين. وقرئ فكرهتموه:
أي جبلتم على كراهته. فإن قلت: هلا عدى بإلى كما عدى في قوله - وكره إليكم الكفر - وأيهما القياس؟ قلت:
القياس تعديه بنفسه لأنه ذو مفعول واحد قبل تثقيل حشوه، تقول كرهت الشئ فإذا ثقل استدعى زيادة مفعول وأما تعديه بإلى فتأول وإجراء لكره مجرى بغض، لأن بغض منقول من بغض إليه الشئ فهو بغيض إليه كقولك
(٥٦٨)
مفاتيح البحث: الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 » »»