الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٦٧
بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم
____________________
بعدها أبدا (الاسم) ههنا بمعنى الذكر من قولهم طار اسمه في الناس بالكرم أو باللؤم كما يقال طار ثناؤه وصيته وحقيقته ما سما من ذكره وارتفع بين الناس، ألا ترى إلى قولهم أشاد بذكره كأنه قيل بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائر أن يذكروا بالفسق. وفى قوله (بعد الإيمان) ثلاثة أوجه: أحدها استقباح الجمع بين الإيمان وبين الفسوق الذي يأباه الإيمان ويحظره كما تقول بئس الشأن بعد الكبرة الصبوة، والثاني أنه كان في شتائمهم لمن أسلم من اليهود يا يهودي يا فاسق فنهوا عنه. وقيل لهم بئس الذكر أن تذكروا الرجل بالفسق واليهودية بعد إيمانه. والجملة على هذا التفسير متعلقة بالنهى عن التنابز. والثالث أن يجعل من فسق غير مؤمن كما تقول للمتحول عن التجارة إلى الفلاحة بئست الحرفة الفلاحة بعد التجارة. يقال جنبه الشر إذا أبعده عنه، وحقيقته جعله منه في جانب فيعدى إلى مفعولين قال الله عز وجل - واجنبني وبنى أن نعبد الأصنام - ثم يقال في مطاوعه اجتنب الشر فتنقص المطاوعة مفعولا والمأمور باجتنابه هو بعض الظن وذلك البعض موصوف بالكثرة، ألا ترى إلى قوله (إن بعض الظن إثم) فإن قلت: بين الفصل بين كثير حيث جاء نكرة وبينه لو جاء معرفة. قلت:
مجيئه نكرة يفيد معنى البعضية، وأن في الظنون ما يجب أن يجتنب من غير تبيين لذلك ولا تعيين لئلا يجترئ أحد على ظن إلا بعد نظر وتأمل وتمييز بين حقه وباطله بأمارة بينة مع استشعار للتقوى والحذر، ولو عرف لكان الأمر باجتناب الظن منوطا بما يكثر منه دون ما يقل، ووجب أن يكون كل ظن متصف بالكثرة مجتنبا، وما اتصف منه بالقلة مرخصا في تظننه، والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب، وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح وأونست منه الأمانة في الظاهر فظن الفساد والخيانة به محرم، بخلاف من اشتهر بين الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث. عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء " وعن الحسن: كنا في زمان الظن بالناس حرام، وأنت اليوم في زمان اعمل واسكت وطن بالناس ما شئت. وعنه:
لا حرمة لفاجر. وعنه: إن الفاسق إذا أظهر فسقه وهتك ستره هتكه الله، وإذا استتر لم يظهر الله عليه لعله أن يتوب. وقد روى من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له. والإثم: الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب، ومنه قبل لعقوبته الأنام فعال منه كالنكال والعذاب والوبال،
(٥٦٧)
مفاتيح البحث: الظنّ (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 » »»