الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٥٤
إن الله سميع عليم. يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض.
____________________
لم يرتكب تلك الفعلة وكل ما يضرب في طريقها ويتعلق بسببها (إن الله سميع) لما تقولون (عليم) بما تعملون وحق مثله أن يتقى ويراقب. إعادة النداء عليهم استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كل خطاب وارد وتطرية الإنصات لكل حكم نازل وتحريك منهم لئلا يفترقوا ويغفلوا عن تأملهم، وما أخذوا به عند حضور مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدب الذي المحافظة عليه تعود عليهم بعظيم الجدوى في دينهم، وذلك لأن في إعظام صاحب الشرع إعظام ما ورد به، ومستعظم الحق لا يدعه استعظامه أن يألوا عملا بجا يحدوه عليه وارتداعا عما يصده عنه وانتهاء إلى كل خير. والمراد بقوله (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) أنه إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليا لكلامكم وجهره باهرا لجهركم، حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته واضحة وامتيازه عن جمهوركم كشية الأبلق غير خاف، لا أن تغمروا صوته بلغطكم وتبهروا منطقه بصخبكم، وبقوله (ولا تجهروا له بالقول) أنكم إذا كلمتموه وهو صامت فإباكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت، بل عليكم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم، وأن تتعمدوا في مخاطبته القول البين المقرب من الهمس الذي يضاد الجهر، كما تكون مخاطبة المهيب المعظم عاملين بقوله عز اسمه:
- وتعزروه وتوقروه - وقيل معنى (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) لا تقولوا له يا محمد يا أحمد، وخاطبوه بالنبوة. قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله والله لا أكلمك
(٥٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 549 550 551 552 553 554 555 556 557 559 560 ... » »»