الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٤٩
سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شئ عليما، لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون.
____________________
بإضمار أذكر. والمراد بحمية الذين كفروا وسكينة المؤمنين، والحمية: الأنفة، والسكينة: الوقار، ما روى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بالحديبية بعثت قريش سهيل بن عمرو القرشي وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص بن الأخيف على أن يعرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك على أن تخلى له قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام، ففعل ذلك وكتبوا بينهم كتابا، فقال عليه الصلاة والسلام لعلى رضي الله عنه اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل وأصحابه: ما نعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم، ثم قال اكتب: هذا ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة، فقالوا: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة، فقال عليه الصلاة والسلام:
اكتب ما يريدون، فأنا أشهد أنى رسول الله وأنا محمد بن عبد الله " فهم المسلمون أن يأبوا ذلك ويشمئزوا منه، فأنزل الله على رسوله السكينة فتوقروا وحلموا، و (كلمة التقوى) " بسم الله الرحمن الرحيم " ومحمد رسول الله قد اختارها الله لنبيه وللذين معه أهل الخير ومستحقيه ومن هم أولى بالهداية من غيرهم. وقيل هي كلمة الشهادة.
وعن الحسن رضي الله عنه: كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد، ومعنى إضافتها إلى التقوى أنها سبب التقوى وأساسها وقيل كلمة أهل التقوى وفى مصحف الحرث بن سويد صاحب عبد الله وكانوا أهلها وأحق بها، وهو الذي دفن مصحفه أيام الحجاج. رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه إلى الحديبية كأنه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا، فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا إنهم داخلوها في عامهم وقالوا:
إن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، فلما تأخر ذلك قال عبد الله بن أبي وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن الحرث: والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام، فنزلت، ومعنى (صدق الله رسوله الرؤيا) صدقه في رؤياه ولم يكذبه، تعالى الله عن الكذب وعن كل قبيح علوا كبيرا، فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله تعالى - صدقوا ما عاهدوا الله عليه - فإن قلت: بم تعلق (بالحق)؟ قلت: إما بصدق: أي صدقه فميا رأى وفى كونه وحصوله صدقا ملتبسا بالحق: أي بالغرض الصحيح والحكمة البالغة وذلك ما فيه من الابتلاء والتمييز بين المؤمن المخلص وبين من في قلبه مرض. ويجوز أن يتعلق بالرؤيا حالا منها: أي صدقه الرؤيا ملتبسا بالحق على معنى أنها لم تكن من أضغاث الأحلام. ويجوز أن يكون بالحق قسما إما بالحق الذي هو نقيض الباطل أو بالحق الذي هو من أسمائه، و (لتدخلن) جوابه وعلى الأول هو جواب قسم محذوف. فإن قلت: ما وجه دخول (إن شاء الله) في إخبار الله عز وجل؟ قلت: فيه وجوه: أن يعلق عدته بالمشيئة تعليما لعباده أن يقولوا في عداتهم مثل ذلك متأدبين بأدب الله ومقتدين بسنته، وأن يريد لتدخلن جميعا إن شاء الله ولم يمت منكم أحدا، أو كان ذلك على لسان ملك فأدخل الملك إن شاء الله، أو هي حكاية ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقص عليهم
(٥٤٩)
مفاتيح البحث: التصديق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 ... » »»