الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٥٠
فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا. محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا وسجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود
____________________
وقيل هو متعلق بآمنين (فعلم ما لم تعلموا) من الحكمة والصواب في تأخير فتح مكة إلى العام القابل (فجعل من دون ذلك) أي من دون فتح مكة (فتحا قريبا) وهو فتح خيبر لتستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الفتح الموعود (بالهدى ودين الحق) بدين الإسلام (ليظهره) ليعليه (على الدين كله) على جنس الدين كله يريد الأديان المختلفة من أديان المشركين والجاحدين من أهل الكتاب، ولقد حقق ذلك سبحانه فإنك لا ترى دينا قط إلا وللإسلام دونه العز والغلبة، وقيل هو عند نزول عيسى حين لا يبقى على وجه الأرض كافر. وقيل هو إظهاره بالحجج والآيات، وفى هذه الآية تأكيد لما وعد من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على أن الله تعالى سيفتح لهم من البلاد ويقيض لهم من الغلبة على الأقاليم ما يستقلون إليه فتح مكة (وكفى بالله شهيدا) على أن ما وعده كائن.
عن الحسن رضي الله عنه: شهد على نفسه أنه سيظهر دينك (محمد) إما خبر مبتدأ: أي هو محمد لتقدم قوله تعالى - هو الذي أرسل رسوله - وإما مبتدأ ورسول الله عطف بيان، وعن ابن عامر أنه قرأ رسول الله بالنصب على المدح (والذين معه) أصحابه (أشداء على الكفار رحماء بينهم) جمع شديد ورحيم، ونحوه - أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين - وأغلظ عليهم - بالمؤمنين رؤوف رحيم - وعن الحسن رضي الله عنه: بلغ من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم، وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه وعانقه، والمصافحة لم تختلف فيها الفقهاء، وأما المعانقة فقد كرهها أبو حنيفة رحمه الله، وكذلك التقبيل قال: لا أحب أن يقبل الرجل من الرجل وجهه ولا يده ولا شيئا من جسده، وقد رخص أبو يوسف في المعانقة، ومن حق المسلمين في كل زمان أن يراعوا هذا التشدد وهذا التعطف فيتشددوا على من ليس على ملتهم ودينهم ويتحاموه، ويعاشروا إخوتهم في الإسلام متعطفين بالبر والصلة وكف الأذى والمعونة والاحتمال والأخلاق السجيحة. ووجه من قرأ أشداء ورحماء بالنصب أن ينصبهما على المدح أو على الحال بالمقدر في معه ويجعل تراهم الخبر (سيماهم) علامتهم، وقرئ سيماؤهم وفيها ثلاث لغات هاتان والسيمياء والمراد بها السمة التي تحدث في جبهة السجاد من كثرة السجود، وقوله تعالى (من أثر السجود) يفسرها: أي من التأثير الذي يؤثره السجود، وكان كل من العليين علي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبد الله بن عباس أبى الأملاك يقال له ذو الثفنات لأن كثرة سجودهما أحدثت في مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير. وقرئ من أثر السجود ومن آثار السجود، وكذا عن سعيد بن جبير: هي السمة في الوجه، فإن قلت: فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا تعلبوا صوركم " وعن ابن عمر رضي الله عنه: أنه رأى رجلا قد أثر في وجهه السجود فقال: إن صورة وجهك أنفك فلا تعلب وجهك ولا تشن صورتك. قلت: ذلك إذا اعتمد بجبهته على الأرض لتحدث فيه تلك
(٥٥٠)
مفاتيح البحث: السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 555 ... » »»