الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٣٣
وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم.
أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم. مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار.
____________________
وقرئ وكائن بوزن كاعن. وأراد بالقرية أهلها ولذلك قال (أهلكناهم) كأنه قال: وكم من قوم هم أشد قوة من قومك الذين أخرجوك أهلكناهم. ومعنى أخرجوك: كانوا سبب خروجك. فإن قلت: كيف قال (فلا ناصر لهم) وإنما هو أمر قد مضى؟ قلت: مجراه مجرى الحال المحكية كأنه قال: أهلكناهم فهم لا ينصرون. (من زين له) هم أهل مكة الذين زين لهم الشيطان شركهم وعداوتهم لله ورسوله، ومن كان على بينة من ربه: أي على حجة من عنده وبرهان، وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرئ أمن كان على بينة من ربه، وقال تعالى (سوء عمله واتبعوا) للحمل على لفظ من ومعناه. فإن قلت: ما معنى قوله تعالى (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار) كمن هو خالد في النار؟ قلت: هو كلام في صورة الإثبات ومعنى النفي والإنكار لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الإنكار ودخوله في حيزه وانخراطه في سلكه وهو وقوله تعالى - أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله - فكأنه قيل: أمثل الجنة كمن هو خالد في النار؟ أي كمثل جزاء من هو خالد في النار. فإن قلت: فلم عرى من حرف الانكار وما فائدة التعرية؟ قلت: تعريته من حرف الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من يسوى بين المتمسك بالبينة والتابع لهواه، وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجرى فيها تلك الأنهار وبين النار التي يسقى أهلها الحميم، ونظيره قول القائل:
أفرح أن أرزأ الكرام وأن * أورث ذودا شصائصا نبلا هو كلام منكر للفرح برزية الكرام ووراثة الذود مع تعريه عن حرف الإنكار لانطوائه تحت حكم قول من قال: أتفرح بموت أخيك وبوارثة إبله؟ والذي طرح لأجله حرف الإنكار إرادة أن يصور قبح ما أزن به
(٥٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 538 ... » »»