الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٢٨
ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أوليا أولئك في ضلال مبين. أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى إنه على كل شئ قدير. ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون.
____________________
في حكم بني آدم لأنهم مكلفون مثلهم (فليس بمعجز في الأرض) أي لا ينجى منه مهرب ولا يسبق قضاءه سابق ونحوه قوله تعالى - وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا - (بقادر) محله الرفع لأنه خبر أن يدل عليه قراءة عبد الله قادر، وإنما دخلت الباء لاشتمال النفي في أول الآية على أن وما في حيزها. وقال الزجاج: لو قلت ما ظننت أن زيدا بقائم جاز كأنه قيل - أليس الله بقادر - ألا ترى إلى وقوع بلى مقررة للقدرة على كل شئ من البعث وغيره لا لرؤيتهم. وقرئ يقدر. ويقال عييت بالأمر إذا لم تعرف وجهه ومنه - أفعيينا بالخلق الأول - (أليس هذا بالحق) محكى بعد قول مضمر وهذا المضمر هو ناصب الظرف، وهذا إشارة إلى العذاب بدليل قوله تعالى - فذوقوا العذاب - والمعنى: التهكم بهم والتوبيخ لهم على استهزائهم بوعد الله ووعيده وقولهم - وما نحن بمعذبين - (أولوا العزم) أولو الجد والثبات والصبر، و (من) يجوز أن تكون للتبعيض ويراد بأولى العزم بعض الأنبياء، قيل هم نوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتى يغشى عليه، وإبراهيم على النار وذبح ولده، وإسحق على الذبح، ويعقوب على فقد ولده وذهاب بصره، ويوسف على الجب والسجن، وأيوب على الضر، وموسى قال له قومه - إنا لمدركون قال كلا إن معي ربى سيهدين - وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال الله تعالى في آدم - ولم نجد له عزما - وفى يونس - ولا تكن كصاحب الحوت - ويجوز أن تكون للبيان فيكون أولو العزم صفة الرسل كلهم (ولا تستعجل) لكفار قريش بالعذاب - أي لا تدع لهم بتعجيله فإنه نازل بهم لا محالة وإن تأخر، وإنهم مستقصرون حينئذ مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبوها (ساعة من نهار بلاغ) أي هذا الذي وعظتم به كفاية في الموعظة، أو هذا تبليغ من الرسول عليه الصلاة والسلام (فهل يهلك) إلا الخارجون عن الاتعاظ به والعمل بموجبه. ويدل على معنى التبليغ قراءة من قرأ بلغ فهل يهلك، وقرئ بلاغا: أي بلغوا بلاغا، وقرئ يهلك بفتح الياء وكسر اللام وفتحها من هلك وهلك ونهلك بالنون إلا القوم الفاسقين. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الأحقاف كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا ".
(٥٢٨)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الضلال (1)، الصبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 533 ... » »»