الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٣٠
والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم، فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا
____________________
الأرحام وفك الأسارى وقرى الأضياف وحفظ الجوار وقيل أبطل ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم والصد عن سبيل الله بأن نصره عليهم وأظهر دينه على الدين كله (والذين آمنوا) قال مقاتل: هم ناس من قريش، وقيل من الأنصار، وقيل هم مؤمنوا أهل الكتاب. وقيل هو عام، وقوله (وآمنوا بما نزل على محمد) اختصاص بالإيمان بالمنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين ما يجب به الإيمان تعظيما لشأنه وتعليما لأنه لا يصح الإيمان ولا يتم إلا به وأكد ذلك بالجملة الاعتراضية التي هي قوله (وهو الحق من ربهم) وقيل معناها أن دين محمد هو الحق، إذ لا يرد عليه النسخ وهو ناسخ لغيره، وقرئ نزل وأنزل على البناء للمفعول ونزل على النباء للفاعل ونزل بالتخفيف (كفر عنهم سيئاتهم) ستر بإيمانهم وعملهم الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم عنها وتوبتهم (وأصلح بالهم) أي حالهم وشأنهم بالتوفيق في أمور الدين وبالتسليط على الدنيا بما أعطاهم من النصرة والتأييد (ذلك) مبتدأ وما بعده خبره: أي ذلك الأمر وهو إضلال أعمال أحد الفريقين وتكفير سيئات الثاني كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطل وهؤلاء الحق، ويجوز أن يكون ذلك خبر مبتدأ محذوف: أي الأمر كما ذكر (1) بهذا السبب فيكون محل الجار والمجرور منصوبا على هذا ومرفوعا على الأول، و (الباطل) ما لا ينتفع به، وعن مجاهد: الباطل الشيطان، وهذا الكلام يسميه علماء البيان التفسير (كذلك) مثل ذلك الضرب (يضرب الله للناس أمثالهم) والضمير راجع إلى الناس أو إلى المذكورين من الفريقين على معنى أنه يضرب أمثالهم لأجل الناس ليعتبروا بهم، فإن قلت: أين ضرب الأمثال؟ قلت: في أن جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين أو في أن جعل الإضلال مثلا لخيبة الكفار وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين (لقيتم) من اللقاء وهو الحرب (فضرب الرقاب) أصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدر فأنيب منابه مضافا إلى المفعول. وفيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد لأنك تذكر المصدر وتدل على الفعل بالنصبة التي فيه، وضرب الرقاب عبارة عن القتل لأن الواجب أن تضرب الرقاب خاصة دون غيرها من الأعضاء، وذلك أنهم كانوا يقولون ضرب الأمير رقبة فلان وضرب عنقه وعلاوته وضرب ما فيه عيناه إذا قتله، وذلك أن قتل الإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته فوقع عبارة عن القتل وإن ضرب غير رقبته من المقاتل كما ذكرنا في قوله - بما كسبت أيديكم - على أن في هذه العبارة من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل لما فيه من تصوير القتل بأشنع صورة وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه، ولقد زاد في هذه الغلظة

(1) قوله (أي الأمر كما ذكر) الظاهر أن يقول أي الأمر ذلك كما قال عند قوله " ذلك ولو يشاء الله " كتبه مصححه.
(٥٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 525 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 ... » »»