الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٦
ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين. ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين. وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون).
____________________
مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم) والمعنى: لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عادا وثمود وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا والسماء المظلة، لأن الماء ينزل منها إلى السحاب أو السحاب أو المطر. والمدرار المغزار. فإن قلت: أي فائدة في ذكره إنشاء قرن آخرين بعدهم؟ قلت: الدلالة على أنه لا يتعاظمه أن يهلك قرنا ويخرب بلاده منهم فإنه قادر على أن ينشئ مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده كقوله تعالى - ولا يخاف عقباها - (كتابا) مكتوبا (في قرطاس) وفي ورق (فلمسوه بأيديهم) ولم يقتصر بهم على الرؤية لئلا يقولوا - سكرت أبصارنا - ولا تبقى لهم علة لقالوا (إن هذا إلا سحر مبين) تعنتا وعنادا للحق بعد ظهوره (لقضي الامر) لقضي أمر هلاكهم (ثم لا ينظرون) بعد نزوله طرفة عين، إما لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته وهي آية لا شئ أبين منها وأيقن ثم لا يؤمنون كما قال - ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى - لم يكن بد من إهلاكهم كما أهلك أصحاب المائدة، وإما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة فيجب إهلاكهم، وإما لأنهم إذا شاهدوا ملكا في صورته زهقت أرواحهم من
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»