الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١١٣
ومعناها الأصلي قلق النفس واضطرابها (قوله ومنه) أي ومما ورد فيه الريبة على حقيقتها استشهد بقوله صلى الله عليه وآله فإن الشك ريبة، على أن الريبة غير الشك وإلا لم يكن في الكلام فائدة ويجعلها مقابلة للطمأنينة على أنها القلق. ومعنى الحديث: دع ما يريبك: أي يقلقك ذاهبا إلى ما يطمئن به قلبك، فإن كون الشئ في نفسه مشكوكا فيه غير صحيح مما تقلق له النفس الزكية وتضطرب معه، وكونه صحيحا صادقا مما تطمئن له: أي إذا وجدت نفسك مضطربة في أمر فدعه، وإذا وجدتها مطمئنة فيه فاستمسك به، لأن اضطراب قلب المؤمن في شئ علامة كونه باطلا محلا لأن يشك فيه، وطمأنينته فيه علامة كونه حقا وصدقا. وقيل معناه: دع ما تشك فيه إلى ما تعمله، فإن العمل بالمشكوك فيه يقتضى قلقا وترددا وفى ذلك مشقة، بخلاف العمل بالمعلوم فإنه يقتضى سكونا وراحة، والأول أقوى، وعبارة الكتاب محمولة عليه. واعلم أن الحديث من رواية الترمذي والنسائي وفيها: فإن الكذب ريبة، فتوهم بعضهم أن ما ذكره المصنف لا يصح رواية لذلك ولا دراية، لأن الريبة هي الشك بعينه فلا فائدة في الإخبار بها عنه. وأجاب بأن صحة إحدى الروايتين لا ينافي صحة الأخرى، وأما فائدة الإخبار فقد حققها العلامة بما لا مزيد عليه (قوله ويشخص بالقلوب) أي يقلقها، من شخص به إذا ورد عليه أمر يقلقه كأنه يجعله شاخصا بصره فلا يطرق من حيرته. وقيل أي يذهب بالقلوب، يقال شخص من بلد إلى بلد: أي ذهب، فالباء للتعدية (قوله بظبى حاقف) هو الذي تثنى وانحنى في نومه (لا ير به) أي لا يقلقه ولا يزعجه بالتعرض له روى أنه صلى الله عليه وآله مر هو وأصحابه بظبى حاقف في ظل شجر وهم محرمون فقال: يا فلان قف ههنا حتى يمر الناس لا ير به أحد بشئ " (قوله كيف نفى الريب) أي الشك كما مر على سبيل الاستغراق، فإن معنى لا ريب فيه:
لاشك فيه من أحد (قوله ما نفى أن أحدا لا يرتاب فيه) الظاهر يرتاب بدون لا، لإن وجودها يفسد المعنى، لأن نفى نفى الريب إثبات له، فقيل هي زائدة، وقيل نفى مسند إلى مستتر راجع إلى الريب كما يدل عليه السؤال، وحرف الجر محذوف: أي ما نفى الريب لأن أحدا، أو على معنى أن أحدا لا يرتاب فيه. ورد بأن النفي حينئذ يتوجه إلى العلة أو التفسير فلا يقابله قوله وإنما المنفى كونه متعلقا للريب، بل الواجب أن يقال: وإنما نفى الريب لكذا أو على معنى كذا، وقيل النفي بمعنى الإتيان بالخبر منفيا: أي ما أتى بأن أحدا لا يرتاب فيه منفيا: أي ليست الجملة المأتي بها منفية هي هذه، ومحصوله أن ليس المنفى الارتياب فتصح المقابلة، إلا أن في الكلام في استعمال النفي بهذا المعنى على أن الحكم بزيادة لا أقل منه تكلفا (قوله وإنما المنفى) جمع بين تعريف المسند إليه وكلمة إنما للمبالغة في الحصر:
أي ليس المنفي ههنا إلا كون القرآن محلا صالحا في نفسه لتعلق الريب به ومظنة له: أي هو في نفسه بحيث لا ينبغي
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»