الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٠٩
باسم الإشارة إما مدرك بالبصر أو منزل منزلته وتحقيقه على ما فصل في بعض شروح الكافية من أن المعتبر في أسماء الإشارة هو الإشارة الحسية، فالأصل فيها أن يشار بها إلى محسوس مشاهد قريب أو بعيد، فإن أشير بها إلى ما يستحيل إحساسه نحو ذلكم الله أو إلى محسوس غير مشاهد نحو تلك الجنة فلتصييره كالمشاهد، فإن كل غائب عينا كان أو معنى إذا ذكر جاز أن يشار إليه بلفظ البعيد نظرا إلى أن المذكور غائب تقول جاءني رجل فقال ذلك الرجل وتضاربوا ضربا شديدا فهالني ذلك الضرب، وجاز على قلة أن يشار إليه بلفظ القريب نظرا إلى قرب ذكره فتقول هذا الرجل وهذا الضرب وكذلك يجوز لك في القول المسموع عن قريب أن تشير إليه بلفظ البعيد لأنه زال سماعه فصار في حكم البعيد كقولك بالله الطالب الغالب وذلك قسم عظيم لأفعلن كذا، والأغلب في مثله أن يؤتى بالقريب فيقال وهذا قسم، وبالجملة لما كان اسم الإشارة موضوعا للمشار إليه إشارة موضوعا للمشار إليه إشارة حسية فاستعماله فيما لا تدركه الإشارة كالشخص البعيد مثلا مجاز بأن تجعل الإشارة العقلية كالحسية لما بينهما من المناسبة، إذا عرفت هذا فتقول لفظ ذلك إن كان إشارة إلى ألم، فمدلوله سواء كان اسما للسورة أو رمزا إلى المنزل ليس مدركا بالبصر بل منزل منزلته، فإن نظر إلى ابتداء نزوله كان كمعنى حاضر جعل كالمشاهد لذكره وفى حكم البعيد لزوال ذكره وتقضيه، وإن نظر إلى أنه لم ينزل بتمامه كان كمعنى غائب صير مشاهدا بعيدا لما ذكر، وجاز أن تعلل مشاهدته بالذكر وبعده بتقدير وصوله إلى المرسل إليه ووقوعه بذلك في حد البعيد من المرسل، وإن كان إشارة إلى الكتاب الموعود فهو لبعد ذكره بمنزلته مشاهد بعيد. وقيل إنما صحت الإشارة إليه مع أنه ليس بمحسوس لأنه جعل كالمحسوس إشارة إلى صدق الوعد والقول بأنه لا حاجة إلى تأويل، لإن المحققين على أن المشار إليه إذا كان مذكورا مع اسم الإشارة صفة له لم يلزم أن يكون محسوسا غلط منشؤه أن من نقلنا كلامه في تحقيق أسماء الإشارة ذكر في موضع آخر أن اسم الإشارة مبهم الذات، وإنما تتعين الذات المشار إليها إما بالإشارة الحسية أو بالصفة، وأراد أن إزالة الإبهام إما بالإشارة الحسية وحدها أو بالصفة معها، يدل على ذلك أنه صرح في كلامه المنقول آنفا بأن المذكور في حد اسم الإشارة هو الإشارة الحسية فقط، وأنه موضوع لما يشار إليه إشارة حسية، واستعماله في غيره مجاز، نعم دعوى أن لفظ ذلك شاع استعماله فيما هو من المعاني والمعقولات مع ذلك التأويل مستقيمة.
الرابع أن المصنف لم يذهب إلى أن ذلك للتعظيم إشارة إلى بعد درجته في الهداية كما اختير في المفتاح، لأن ما ذكره أشهر في العرف وأجرى في الموارد وأقرب إلى الحقيقة، بل ربما يتخيل أنه صار فيه حقيقة عرفية. الخامس ذكر بعض الأفاضل أن الكتاب الموعود إن أريد به ما وعدوا به في التوراة والإنجيل، أعني القرآن لم يصح أن يكون ذلك الكتاب خبرا لألم أنه جزء القرآن لا هو، إلا أن يراد أبا لم القرآن كله بناء على أنه جزؤه، أو يجعل موعودا في ضمن كله، وإذا حمل على الموعود الآخر صح ذلك فيه وإن أريد ما وعد به النبي صلى الله عليه وآله جاز أن يكون خبرا له. السادس أنه إذا ذكر لفظ مفرد أو مركب وزال سماعه جاز أن يشار بلفظ القريب والبعيد إلى كل واحد
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»