الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٠٨
للمعطوف عليه فلا إشكال (قوله كما لا محل للجمل المبتدأة) أي التي وقعت في ابتداء الكلام فلم تقع موقع مفرد ليطرأ عليها ما يقتضى إعرابا في محلها (قوله وللمفردات المعددة) أي الواردة على نمط التعديد فلم تقع في تركيب ليعتور عليها ما يوجب إعرابها لفظا أو محلا. والحاصل أن هذه الألفاظ إذا سردت على طريقة التهجي لم يكن لها إعراب أصلا لفقد المقتضى والعامل. قيل إنما أورد مثالين على أن ما انتفى إعرابه لفقد مقتضيه قسمان: مفرد وجملة. مع رعاية المناسبة، فإن بعض الفواتح كالجملة في تعدد كلماته، وبعضها كالمفرد في أنه كلمة واحدة (قوله إلى ما ليس ببعيد) هو ما دل عليه ألم، أعني السورة أو المنزل المؤلف من هذه الحروف على الوجهين الأولين وأما الوجه الثالث فكأنه من تتمة الثاني، يريد أن ألم ذكر آنفا فمدلوله ليس ببعيد فكيف صح أن يشار إليه بما وضع للبعيد؟ أجاب أولا بأنه إشارة إليه لكنه في حكم البعيد من وجهين: أحدهما أنه تقتضى ذكره والمقتضى بمنزلة المتباعد، وأشار بقوله وهذا في كل كلام إلى أنه مطرد في العرف: أي جعل المقتضى في حكم المتباعد والإشارة إليه بلفظ البعيد جاء في كل كلام. وثانيهما أنه لما وصل الخ وأشار أيضا إلى اطراده عرفا بقوله كما تقول واعترض عليه بأنه قبل الوصول إلى المرسل إليه كان كذلك. وأجيب بأنه لم يرد بالمرسل إليه النبي صلى الله عليه وآله بل من وصل إليه اللفظ حال إيجاده كالسامع لكلامك، وفيه بحث لأنه خلاف الظاهر ولا يفهم من العبادة.
وأيضا إن أراد باللفظ الذي وصل إلى السامع لفظ ألم فذلك ليس إشارة إليه بل إلى ما دل به عليه، وإن أراد جميع السورة أو المنزل فقبل أن يصل إليه هذا كان لفظ ذلك على حاله، والصواب أن المتكلم إذا ألف كلاما ليلقيه على غيره ويوصله إليه ربما لاحظ في تركيبه وصوله إليه وبنى كلامه عليه. وأجاب ثانيا بأن ذلك ليس إشارة إلى ألم بل إلى الكتاب الموعود على لسان موسى وعيسى عليهما السلام. وقيل بقوله: سنلقى عليك قولا ثقيلا، وفيه أن الأنسب حينئذ أن يقول الذي وعد به، وههنا أبحاث: الأول قال بعضهم: السؤال مخصوص بما إذا كان ألم اسما للسورة وقد عرفت عمومه، ويؤيده قول المصنف فيما بعد: أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل، وقوله:
أي هو يعنى المؤلف من هذه الحروف. نعم ربما يقال لما كان مجموع المنزل مرموزا إليه لا مصرحا به كالسورة نزل لذلك أيضا منزلة البعيد. الثاني قوله ولأنه لما وصل عطف على قوله وقعت الإشارة إذ معناه لأنه وقعت بقرينة قوله لم صحت. وأما قوله وقيل فعطف على قلت. ولما لم يكن مختارا عنده أخره وإن اقتضى ترتيب البحث تقديمه بأن يقال: ليس ذلك إشارة إلى ألم وإن سلم فهو في حكم البعيد الثالث ذكر الإمام السكاكي أن المشار إليه
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»