الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٩٧
اهتمامهم بالنظر، يقال افتن الرجل في حديثه وفى خطبته: إذا جاء بالأفانين (والقصيد) جمع القصيدة من الشعر كالسفين والسفينة. وفى الأساس أصله من القصيد وهو المخ المتكسر الذي يتقصد: أي يتكسر لسمنه إذا استخرج من قصبته فنقلوه إليه وسموه به كما أستعير السمين للجزال من الكلام والغث للرديئ منه. وقيل هو فعيل بمعنى مفعول فإن الشاعر يقصده لينقحه ويحرره (والرجز) ضرب من الشعر سمى به لتقارب أجزائه وقلة حروفه وتصور اضطراب في اللسان عند إنشاد من الرجز، وهو داء يصيب الإبل في أعجازها، فإذا سارت الناقة ارتعشت فخذاها ساعة ثم تنبسط، يقال رجز البعير بالكسر رجزا فهو أرجز وناقة رجزا (قوله ولم يبلغ) أي هذا المتلو عطف على لم يتساقط، وقوله من الجزالة إما تعليل للبلوغ: أي من أجلها، وإما حال من المبالغ وهى المراتب التي يبلغ إليها، وأياما كان فهو إشارة إلى أن إعجاز القرآن ببلاغته وجزالة معناه وفخامته وحسن نظمه وعبارته (وبزت) أي غلبت (قوله وشق الغبار) كناية عن الوصول والسبق، هو من قول قصير لحذيفة فاركب العصا فإنه لا يشق غباره، إلا أن قصيرا كنى عن السبق بعدم شق الغبار وهو ظاهر بنفسه، المصنف رحمه الله تعالى كنى عنه بشقه وإنما يظهر بمعونة المقام (والمطامح) من طمح بصره إلى الشئ: ارتفع، وطمح إليه ببصره:
إذا رفعه لينظر إليه. ولا يخفى أن تجاوز القرآن الحد الخارج وقوعه ورواء المطامح أدل على إعجاز من بلوغه تلك المبالغ (قوله إلا لأنه) استثناء من قوله لم يتساقط وما عطف عليه من المنفيان: أي لم يكن سقوط المقدرة ولا ظهور المعجزة ولا بلوغ المتلو غاية الجزالة ولا تجاوزه الحد الخارج من قوى أرباب الفصاحة ولا وقوعه وراء ما ترتفع إليه أعين أرباب البلاغة لشئ من الأشياء إلا لأنه (قوله وهذا القول) قال رحمه الله تعالى: جعل اسم الإشارة مبتدء ووصفه بالقول واستعمل لفظ القوة ثم لفظ الخلافة المنبئة عن كونه مخلقوا للقبول، ونكر الخبر أعني بمنزل دلالة على أنه أرجح من الأول، وذلك من وجوه: الأول أنه أوفق بلطائف القرآن ورموز إشاراته، وأليق بأساليبه ووجوه اختصاراته. الثاني أن الأصل عدم النقل. الثالث أن المقصود من الإعلام تمييز مسمياتها وأكثر الفواتح تشترك فيها عدة من السور كألم والر. الرابع أن التسمية بأسماء مسرودة على وجه التعديد لم توجد في كلامهم، وما ذكره سيبويه مجرد قياس. الخامس أن ارتكاب الحكاية فيها بعد وقوعها في التركيب المقتضى للإعراب مخالف للظاهر، وما ذكر في توجيهها مجوزا لها في الجملة. هذا وقد رجح الأول على الثاني بأن العلمية أكثر فائدة إذ يستفاد معها الإيقاظ أيضا كما مر، وبأن اختيارها موافقة للجمهور. والجواب عن الأول أن الإيقاظ مع العلمية تبع غير لازم وههنا على تقدير التعديد مقصود أصالة. وعن الثاني أن قولهم مؤول بما سيأتي على أن المتبع هو الدليل لا كثرة القائلين. وأما الوجه الثالث فهو قريب من الثاني وقد يعد من توابعه وفوائده، وإجراؤه في الأول لا يخلو عن تكلف (قوله من القوة) إما حال من المجرور مع تقدمها عليه، وإما صفة لمحذوف
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»