الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٩٤
تكتب هذه الألفاظ على صورها في أنفسها بل كتبت على صور الحروف. وقوله لا على صور أساميها أصله لا على صورها، على أن الضمير لهذه الألفاظ كما في فما بالها موضع الأسامي موضع ذلك الضمير، وأضيف إلى ضمير الحروف تصريحا بأن هذه الألفاظ أسامي الحروف فحقها أن تكتب على صور الأسامي. والجواب بوجوه ثلاثة: أن الكلم كلها مركبة من ذوات الحروف لامن أسامئها، وذلك يقتضى كثرة وقوع صور الحروف في الخط واعتياد الكاتب بها دون صور أساميها، وانضم إلى ذلك أنها استمرت العادة بأنه إذا أريد أن يؤمر بتصوير ذوات الحروف تتهجى: أي بعدد تلك الحروف بأساميها فيقال له مثلا اكتب ألف أبا تا فيكتب هكذا أب ت فتقع في التلفظ الأسماء وفى الكتابة الحروف أنفسها فتكتب، فكأنه لما قيل لكاتب الفواتح اكتب ألف لام ميم مثلا عمل على تلك الطريقة المألوفة فصور ذوات الحروف على ما هو قاعدة التأليف، وعلى هذا ضمير تهجيت راجع إلى الحروف، وقد بتوهم رجوعه إلى الكم: أي عددت حروفها بأسمائها، والمعنى: أنه إذا أريد أن يؤمر بتصوير الكلم بتهجي حروفها على الترتيب فيقال في الأمر بتصوير ضرب مثلا اكتب ضاد راء باء فيكتب هكذا ضرب، وفيه أنه لا تصح حينئذ دعوى استمرار العادة بذلك، فإن التلفظ بأنفس الكلم في الأمر بكتابتها أكثر من أن تتهجى حروفها (قوله ومتى قيل للكاتب) عطف يجرى مجرى التفسير لقوله متى تهجيت وكيت وكيت كتابة عن الحروف، وإن يلفظ متعلق باستمرت وعمل جواب لما وهو مسند إلى الظرف الذي بعده والشاكلة الطريق والجهة (قوله وأيضا) إشارة إلى الوجه الثاني، وحاصله أنه اختير في كتابة الفواتح ما هو أخف وأخصر، أعني صور الحروف أمنا من الإلباس إذا لا شبهة أن المتلفظ في أوائل تلك السور هي الأسامي دون الحروف، والسبب في عدم الاشتباه أمور: الأول شهرة أمر الفواتح بإقامة ألسن العرب والعجم لها. الثاني أن التلفظ في الفواتح بالحروف أنفسها لابأاميها عار عن الفائدة، فإن حروف المباني لا معاني لها أصلا بخلاف أسمائها. لا يقال: ربما يعتبر من تلك الحروف في الفواتح ألفاظ مستعملة كألم في ألم وحم في حم. لأنا نقول: المقصود الأمن من وقوع الليس بذات الحروف لتقاربهما أي الحروف وأساميها إلا بكلم مركب منها فإنه مستبعد جدا، ولو حمل على الأمن من الإلباس مطلقا لقيل التلفظ بالفواتح لا على وجه تعديد حروفها المكتوبة بأساميها لا يشتمل على كبير فائدة، إذ لا يحصل منها ألفاظ تفيد بنفسها معاني يعتد بها. الثالث أن بعض الفواتح مفرد لا يخطر ببال أحد غير مورده، وهو أن يتلفظ باسم الحروف كصاد وقاف ونون. ولما كانت الفواتح من باب واحد لم يبق اشتباه أيضا في الباقي، وإنما خص المفردات بعدم الإخطار، إذ لا يتوهم منها ألفاظ موضوعة لمعنى كما في بعض المركبات، ولو كانت ق مثلا أمرا من الوقاية لكتبت بالهاء، فقوله وإقامة عطف على شهرة تجرى مجرى التفسير لها (قوله وإن اللافظ بها وإن بعضها) عطف على اسم إن، ويجوز عطف أن المفتوحة مع ما في حيزها على اسم إن المكسورة وإن لم
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»