الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١١٧
ما يفضى إلى العلم غالبا، وليس التعلم مطاوعا إلا لمعناه الحقيقي. قال رحمه الله: وبذلك يندفع ما يقال إن المتأثر إن كان مختارا لم يجب أن يكون مطاوعا موافقا لأصله وإن لم يكن مختارا وجب، نعم قد كثر في قسم المختار استعمال الأصل في معناه مجازا، أعني توجيه ما يقضى إلى الفعل غالبا. وقيل في جواب النقض بالائتمار أن قضية الأمر لغة أن لا يثبت إلا بالامتثال، لكن منع من ذلك لزوم الخبر وسقوط الاختبار فيتخلف عنه لمانع مخصوص، وفيه أن هذا المانع موجود في الاهتداء فيتخلف عن الهدى، وعورضت الوجوه الثلاثة بقوله تعالى - وأما ثمود فهديناهم - وأجيب بأنه مجاز عن إزاحة العلل وإفاضة أسباب الاهتداء بقرينة قوله تعالى - فاستحبوا العمى على الهدى - أي آثروه عليه ولولاها لتبادر منه الإيصال. ورد بأن الأصل الحقيقة. ودفع بأنه لولا تلك القرينة وما أشبهها تبادر منه غير ذلك المعنى وهو كونه غير مجاز فيه، هذا وأما قوله ويقال مهدى وقوله ولأن اهتدى فمعطوفان على قوله بدليل وقوع الضلالة بحسب المعنى: أي لأن الضلالة واقعة في مقابلته ولأنه يقال ولأن اهتدى (قوله فلم قيل) الفاء مؤذنة بالاستنكار: أي ما ذكرتم في تفسير الهدى يقتضى أن يكون هدى للمتقين دالا على تحصيل الحاصل، كأنه قيل دلالة موصلة إلى المطلوب للمتقين الواصلين إليه، ولو فسر الهدى بالدلالة على ما يوصل إليه كان هناك محذور آخر، وهو أن تعلقه بالمتقين عار من الفائدة، فإن من اهتدى إلى المقصود كانت دلالته على ما يوصل إليه لغوا قوله هو كقولك) يعنى أريد بالهدى زيادة الهدى إلى مطالب أخرى غير حاصلة والتثبت على ما كان حاصلا كما في قوله تعالى - اهدنا - أو أريد بالمتقين المشارفون للتقوى، والأول هو المختار الملائم لنظم القرآن، وستأتى إشارة إليه فقدمه لذلك ولئلا يفصل به بين الثاني الثاني وما يتفرع عليه من السؤال الآتي. لا يقال: قد سبق أن الهدى في التثبت مجازا قطعا وفى الزيادة حقيقة أو مجاز فكيف جمع بينهما ههنا؟ لأنا نقول: لم يرد أن اللفظ مستعمل فيهما معا بل في الزيادة فقط، والتثبت لازم تبعا وإن صلح أن يجعل مقصودا بنفسه ويستعمل اللفظ فيه وحده. فإن قلت:
نحو قولك أعزك الله وأكرمك يحتاج إلى التأويل المذكور، فإنه طلب مختص بالاستقبال، ولو لم يؤول لزم طلب تحصيل الحاصل، وأما - هدى للمتقين - فلا حاجة فيه إلى التأويل أصلا، إذ لا دلالة على زمان قطعا بل معناه هدى للمتقين المهتدين بذلك الهدى فلا إشكال. ألا ترى أنك إذا قلت: السلاح عصمة للمعتصم على معنى أنه
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»