الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١١٨
سبب لها لم يفهم أن هناك عصمة أخرى مغايرة لما كان عليه الشخص المعتصم بها معتصما؟ قلت: إنك إذا عبرت عن شئ بما فيه معنى وصفية وعلقت به المعنى المصدري في صيغة فعل أو غيرها فهم منه في عرف اللغة أن ذلك الشئ موصوف بتلك الصفة حال تعلق ذلك المعنى به لا بسببه. مثلا إذا قلت: ضربت مضر وبالتبادر إلى الفهم في ذلك العرف أنه موصوف بالمضروبية قبل زمان تعلق ضربك به لا بسبب ضربك إياه، والسر في ذلك أنك في بيان تعلق ضربك به تلاحظه على ما هو عليه في زمان التعلق وتعبر عنه بما هو مسلم له، ويستحق أن تعبر به عنه وإن لم يتعلق به ضربك اسما كان أو صفة فإذا عبرت عنه بالمضروب كانت مضروبيته صفة مسلمة له مأخوذة على أنها حقه وإن لم تضربه، ولا شك أن مضروبيته بهذا الضرب صفة متفرعة على ما أنت متصد مسلمة له مأخوذة على أنها حقه وإن لم تضربه، ولا شك أن مضروبيته بهذا الضرب صفة متفرعة على ما أنت متصد لبيان ثبوته في ذلك الزمان، فلا تكون مسلمة فيه مستحقة له، فإذا أردت أنه مضروب بضربك هذا كان مخالفا للظاهر ومجاز باعتبار المآل، فقولك هدى لزيد أو للضال: أو إضلال لبكر أو لمهتد جاز على ظاهره، بخلاف قولك هدى للمهتدى وإضلال للضال. وأما حديث العصمة فلا يجديك منفعة إذ لم يرد معناه المصدري المتضمن للتجدد والحدوث بل أريد الحاصل بالمصدر، وهو معنى مستقر ثابت يضاف إلى المعتصم وينسب إليه باللام، على أن الظرف مستقر: أي عصمة كائنة للمعتصم وإن جعلت مصدرا، واللام لتقوية العمل كما هو الظاهر من " هدى للمتقين "، احتيج هناك أيضا إلى أحد التأويلين، وقس على ذلك نحو قولك صحة للصحيح ومرض للمريض وعكسهما. فإن قلت:
متعلقات الأفعال وأطراف النسب هل حقها على الإطلاق أن يعبر عنها حال التكلم بما تستحق أن يعبر عنها به حال التعلق والنسبة لاحال الحكم حتى لو خولف ذلك كان مجازا. قلت: لا، فإن قولت عصرت هذا الخل في السنة الماضية مشيرا إلى خل بين يديك ليس فيه مجاز مع أنه لم يكن خلا زمان العصر، وقولك سأشرب هذا الخل مشيرا إلى عصير عندك مجاز باعتبار المآل وإن كان خلا حال الشرب، فمن قال: المعتبر في المجاز بحسب الصيرورة والمشارفة هو حال النسبة لا حال الحكم فقدسها، بل الواجب في ذلك أن يرجع إلى وضع الكلام وطريقته، فتارة يعتبر زمان النسبة كما في الأمثلة المتقدمة، وتارة يعتبر زمان إثباتها كما في هذين المثالين. ثم المجاز بحسب المآل قد يكون بطريق المشارفة كما في " من قتل قتيلا " ويمرض المريض وتل الضالة، فإنه قتيل ومريض حقيقة عقيب تعلق القتل والمرض به بلا تراح، وكذلك حال الضالة وقد يكون بطريق الصيرورة مجردة عن المشارفة كما في قوله - ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا - فإن الاتصاف بالفجور والكفر متراخ عن تعلق الولادة بالمولود فلذلك فصله عما تقدمه بقوله ومنه (قوله فهلا قيل) سؤال تفريع على الوجه الثاني: أي إذا أريد بالمتقين ما ذكرتم فهلا جئ
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»