التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٥٩
ثم قال تعالى (وخلق الله السماوات والأرض بالحق) أي للحق لم يخلقهما عبثا، وإنما خلقهما لمنافع خلقه بأن يكلفهم فيها ويعرضهم للثواب الجزيل (ولتجزى كل نفس بما كسبت) من ثواب طاعة أو عقاب على معصية (وهم لا يظلمون) أي لا يبخسون حقوقهم.
ثم قال (أفرأيت من اتخذ) يا محمد (الهه هواه) وإنما سمي الهوى إلها من حيث أن العاصي يتبع هواه ويرتكب ما يدعوه إليه ولم يريد انه يعبد هواه أو يعتقد أنه يحق له العبادة، لان ذلك لا يعتقده أحد. قال الحسن: معناه اتخذ إلهه بهواه، لان الله يحب أن يعرف بحجة العقل لا بالهوى. وقال سعيد بن جبير كانوا يعبدون العزى وهو حجر أبيض حبنا من الدهر، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول وعبد وا الآخر. وقال ابن عباس: معناه أفرأيت من اتخذ دينه ما يهواه لأنه يتخذه بغير هدى من الله ولا برهان. وقوله (وأضله الله على علم) معناه حكم الله بضلاله عالما بعدوله عن الحق. ويحتمل أن يكون المعنى يعدل الله به عن طريق الجنة إلى طريق النار جزاء على فعله، عالما بأنه يستحق ذلك (وختم على سمعه وقلبه) وقد فسرناه في ما مضى. ومعناه أنه يجعل عليهما علامة تدل على كفره وضلاله واستحقاقه للعقاب، لا أنه يفعل فيهما ما يمنع من فعل الايمان والطاعات (وجعل على بصره غشاوة) شبهه بمن كان على عينه غشاوة تمنعه من الابصار، لان الكافر إذا كان لا ينتفع بما يراه ولا يعتبر به، فكأنه لم يره، ثم قال (فمن يهديه) إلى طريق الجنة أو من يحكم بهدايته (من بعد الله) إن حكم الله بخلافه (أفلا تذكروه) أي أفلا تتفكرون فتعلمون ان الامر على ما قلناه.
ثم حكى تعالى عن الكفار أنهم (قالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا) أي ليس الحياة إلا هذه الحياة التي نحن فيها في دار الدنيا (نموت ونحيا) وقيل في
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»
الفهرست