التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٥٥
بفضل نبيها.
ثم قال (وآتيناهم) يعني أعطيناهم (بينات من الامر) أي دلالات وبراهين واضحات من الامر ثم قال (فما اختلفوا) أي لم يختلفوا (إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) فالاختلاف اعتقاد كل واحد من النفيسين ضد ما يعتقده الآخر إذا كان اختلافا في المذهب، وقد يكون الاختلاف في الطريق بأن يذهب أحدهما يمنة، والآخر يسرة، وقد يكون الاختلاف في المعاني بأن لا يسد أحدهما مسد الآخر في ما يرجع إلى ذاته. واختلاف بني إسرائيل كان في ما يرجع إلى المذاهب.
وقوله (بغيا بينهم) نصب على المصدر، ويجوز أن يكون على أنه مفعول له أي اختلفوا للبغي وطلب الرياسة. ومعنى البغي الاستعلاء بالظلم، وهو خلاف الاستعلاء بالحجة. والبغي يدعو إلى الاختلاف لما فيه من طلب الرفعة بما لا يرجع إلى حقيقة ولا يسوغ في الحكمة، وإنما كان ذلك طلبا الرياسة والامتناع من الانقياد للحق بالأنفة، ثم قال (إن ربك) يا محمد (يقضي بينهم يوم القيامة) أي يحكم ويفصل بين المحق منهم والمبطل في ما كانوا يختلفون في دار التكليف، وقيل: الحكم العلم بالفصل بين الناس في الأمور.
ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله (ثم جعلناك) يا محمد (على شريعة من الامر) فالشريعة السنة التي من سلك طريقها أدته إلى البغية كالشريعة التي هي طريق إلى الماء، وهي علامة منصوبة على الطريق إلى الجنة كأداء هذا إلى الوصول إلى الماء، فالشريعة العلامات المنصوبة من الأمر والنهي المؤدية إلى الجنة، ثم قال (فاتبعها) يعني اعمل بهذه الشريعة (ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) الحق ولا يفصلون بينه وبين الباطل.
ثم اخبر النبي صلى الله عليه وآله فقال (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) يعني هؤلاء
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»
الفهرست