التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٣٢
ثم اخبره عن فرعون وقومه ب‍ (إنهم جند مغرقون) أي سيغرقهم الله.
وفي الكلام حذف، لان تقديره ان موسى سار بقومه وتبعه فرعون وجنده وأن الله أهلكهم وغرقهم.
ثم اخبر عن حالهم بأن قال (كم تركوا من جنات) يعني من بساتين لهم تركوها لم تنفعهم حين نزل بهم عذاب الله (وعيون) جارية لم تدفع عنهم عقاب الله (وزروع جمع زرع ومقام كريم) قيل: هو المجلس الشريف. وقيل:
مقام الملوك والامراء والحكماء. وقيل: المنازل الحسنة. وقال قتادة: يعني مقام حسن بهج. وقال مجاهد وسعيد بن جبير: هي المناظر. وقيل: المنابر. وقيل:
المقام الكريم هو الذي يعطي اللذة، كما يعطي الرجل الكريم الصلة (ونعمة كانوا فيها فاكهين)، فالنعمة - بفتح النون - التنعيم - وبكسرها - منفعة يستحق بها الشكر، وإن كانت مشقة، لان التكليف نعمة وإن كانت فيه مشقة. ومعنى الآية انهم كانوا متمتعين. فالفاكه المتمتع بها بضروب اللذة، كما يتمتع الآكل بضروب الفاكة، يقال: فكه يفكه فكها، فهو فاكه، وفكه وتفكه يتفكه تفكها، فهو متفكه.
وقوله (كذلك وأورثناها قوما آخرين) فتوريثه النعمة إلى الثاني بعد الأول بغير مشقة كما يصير الميراث إلى أهله على تلك الصفة، وتوريث العلم شبه بذلك، لان الأول تعب في استخراجه وتوطئة الدلالة المؤدية إليه، ووصل إلى الثاني وهو رافه وادع، لم يكل لطول الفكر وشدة طالب العلم، فلما كانت نعمة قوم فرعون وصلت بعد هلاكهم إلى غيرهم، كان ذلك توريثا من الله لهم. قال قتادة:
يعني بقوم آخرين بني إسرائيل، لان بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون على ما قيل، وكذلك قال في موضع آخر (وأورثناها بني إسرائيل) (1).

(1) سورة 26 الشعراء آية 60
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست