التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٦٨
ما يكرهه الله، فقل لهم " اني برئ مما تعملون " أي من أعمالكم القبيحة وعبادتكم للأصنام. والبراءة المباعدة من النصرة عند الحاجة، فإذا برئ من عملهم فقد تباعد من النصرة لهم أو الموالاة. ثم أمره أن يتوكل على العزيز الرحيم ومعناه أن يفوض أمره إلى من يدبره. والتوكل على الله من الايمان، لأنه أمر به، وحث عليه " على العزيز الرحيم " يعني القادر الذي لا يغالب، ولا يعاز الكبير الرحمة الواسع النعمة على خلقه " الذي يراك " يا محمد " حين تقوم وتقلبك في الساجدين " أي تصرفك في المصلين بالركوع والسجود والقيام والقعود - في قول ابن عباس وقتادة - وفي رواية أخرى عن ابن عباس:
إن معناه إنه أخرجك من نبي إلى نبي حين أخرجك نبيا. وقيل: معناه يراك حين تصلي وحدك، وحين تصلي في جماعة. وقال قوم من أصحابنا: إنه أراد تقلبه من آدم إلى أبيه عبد الله في ظهور الموحدين، لم يكن فيهم من يسجد لغير الله.
والرؤية - ههنا هي ادراك البصر، دون رؤية القلب، لان (رأيت) بمعنى علمت، لا يتعدى إلى مفعول واحد، فهي من رؤية البصر، ثم قال " إنه هو السميع العليم " أي يسمع ما تتلو في صلاتك، العليم بما تضمر فيها في قلبك.
وقيل معنى " وتوكل على العزيز الرحيم " ليظهرك على كيد أعدائك الذين عصوك فيما أمرتهم به. وقرأ ابن عامر ونافع " فتوكل " بالفاء، لأنها في مصاحف أهل المدينة والشام كذلك. الباقون بالواو، وكذلك هو في مصاحفهم.
والتوكل على الله: هو أن يقطع العبد جميع أماله من المخلوقين إلا منه تعالى، ويقطع رغبته من كل أحد إلا إليه، فإذا كان كذلك رزقه الله من حيث لا يحتسب.
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 73 74 ... » »»
الفهرست