التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٤٧٥
ومعناه أو لم يعلموا * (أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا انعاما) * ومعناه إنا عملناه من غير أن نكله إلى غيرنا، فهو بمنزلة ما يعمله العباد بأيديهم في أنهم تولوا فعله ولم يكلوه إلى غيرهم، وتقديره انا تولينا خلق الانعام لهم بأنفسنا.
والانعام جمع النعم، وهي الإبل والبقر والغنم * (فهم لها مالكون) * معناه.
لو لم يخلق ذلك لما صح ملكهم لها، وكذلك سائر أملاك العباد بهذه الصفة فهو المنعم على عباده بكل ما ملكوه، وبحسب ما ينتفعون به يكون حاله حال المنعم. واليد في اللغة على أربعة أقسام: أحدهما - الجارحة. والثاني - النعمة.
والثالث - القوة. والرابع - بمعنى تحقيق الإضافة. تقول: له عندي يد بيضاء أي نعمة، وتلقى قولي باليدين أي بالقوة والتقبل، وقول الشاعر:
دعوت لما نابني مسورا * فلبى فلبى يدي مسور فهذا بمعنى تحقيق الإضافة. وتقول هذا ما جنت يدك، وما كسبت يدك أي ما كسبت أنت.
وقوله * (وذللناها لهم) فتذليل الانعام تسخيرها بالانقياد ورفع النفور لان الوحشي من الحيوان نفور، والانسي مذلل بما جعله الله فيه من الانس والسكون، ورفع عنه من الاستيحاش والنفور. وقوله * (فمنها ركوبهم ومنها يأكلون) * قسمة الانعام، فان الله تعالى جعل منها ما يركب ومنها ما يذبح وينتفع بلحمه ويؤكل، فالركوب - بفتح الراء - صفة. يقال: دابة ركوب أي تصلح للركوب، والركوب - بضم الراء - مصدر ركبت. وقرأت عائشة * (فمنها ركوبتهم) * مثل الحلوبة. وقوله * (ولهم فيها منافع ومشارب) * فمن منافعها لبس أصوافها وشرب ألبانها واكل لحومها وركوب ظهورها إلى غير ذلك من أنواع المنافع الكثيرة فيها. ثم قال * (أفلا تشكرون) * الله على هذه
(٤٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 ... » »»
الفهرست