التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٣٨٩
ومجاهد: هي قرى الشام، وقال ابن عباس: هي بيت المقدس " قرى ظاهرة " قال قتادة: معناه متواصلة، لأنه يظهر الثانية من الأولى لقربها منها " وقدرنا فيها السير " معناه جعل بين القرية الأولى والثانية مسيرة يوم لراحة المسافر ونزوله فيها " سيروا فيها ليالي وأياما آمنين " لا تخافون جوعا ولا عطشا ولا ظلما من أحد، كأنه قيل لهم سيروا كذا، فقالوا " ربنا باعد بين أسفارنا " معناه إنهم نظروا وملوا النعمة، فقالوا لو كان جني ثمارنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه، كما قالت بنو إسرائيل " فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها " (1) بدلا من المن والسلوى " وظلموا أنفسهم " بارتكاب المعاصي " فجعلناهم أحاديث " فضرب بهم المثل فيقال (تفرقوا أيادي سبأ) أي تشتتوا أعظم التشتت قال الشعبي: أما غسان فلحقوا بالشام، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، وأما الأزد فلحقوا بعمان. وقيل: معنى " جعلناهم أحاديث " أي أهلكناهم وألهمنا الناس حديثهم ليعتبروا " ومزقناهم كل ممزق " قال ابن عباس: مزقوا بين الشام وسبأ كل ممزق.
ثم قال تعالى " إن " في ما ذكر " لآيات " ودلالات " لكل صبار شكور " أي صبار على الشدائد شكور على النعماء.
ثم قال تعالى " ولقد صدق عليهم إبليس " صدق " ظنه " فيهم بإجابتهم إلى معصية الله وقبولهم منه " فاتبعوه " بأجمعهم " إلا فريقا من المؤمنين " العارفين بالله وبوحدانيته، فخالفوه فلم يتبعوه. فمن شدد (صدق) اسند الفعل إلى إبليس وجعل الظن المفعول به، لان إبليس لما قال تظننا * (ولآمرنهم

(1) سورة 2 البقرة آية 61
(٣٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 ... » »»
الفهرست