التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٤٠
في شك من ديني " فان ديني أن " لا أعبد الذين تعبدون من دون الله " أي إن كنتم في شك مما أذهب إليه من مخالفتكم فاني أظهره لكم وأبرء مما أنتم عليه وأعرفكم ما أمرت به وهو أن أكون مؤمنا بالله وحده وأن أقيم وجهي للدين حنيفا.
إن قيل: لم قال " إن كنتم في شك من ديني " مع اعتقادهم بطلان دينه؟
قلنا عنه ثلاثة أجوبة: أحدها - أن يكون على وجه التقدير أي من كان شاكا في أمري وهو مصمم على أمره فهذا حكمه. والثاني - انهم في حكم الشاك للاضطراب الذي يجدون نفوسهم عليه عند ورود الا يأت والثالث - ان فيهم الشاك فغلب ذكرهم، وإنما جعل جواب (ان كنتم في شك) (لا أعبد) وهو لا يعبد غير الله شكورا أولم يشكوا، لان المعنى لا تطمعوا أن تشككوني بشككم حتى أعبد غير الله كعبادتكم، كأنه قيل: إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله بشككم ولكن أ عبد الله الذي يتوفاكم أي الذي أحياكم ثم يقبضكم وهو الذي يحق له العبادة دون أوثانكم ودون كل شئ سواه.
قوله تعالى وأن أقم وجهك الذين حنيفا ولا تكونن من المشركين (105) آية هذه الآية عطف على ما قبلها والتقدير وأمرت أن أكون من المؤمنين، وقيل لي: أقم وجهك وقيل في معناه قولان: أحدهما - استقم باقبالك على ما أمرت به من القيام بأعباء النبوة وتحمل أمر الشريعة ودعاء الخلق إلى الله بوجهك، إذ من أقبل على الشئ بوجهه يجمع همته له فلم يضجع فيه. والثاني - أن يكون معناه أقم وجهك في الصلاة بالتوجه نحو الكعبة. والإقامة نصب الشئ المنافي لاضجاعه تقول: أقام العود إذا جعله على تلك الصفة فأما أقام بالمكان فمعناه استمر به. والوجه عبارة عن عضو مخصوص ويستعمل بمعنى الجهة كقولهم:
هذا معلوم في وجه كذا، ويستعمل بمعنى الصواب كقولك: هذا وجه الرأي.
(٤٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 ... » »»
الفهرست