التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٥٦
والنون، ولا بالألف والتاء. وإنما يجمع على فعلى مثل جريح وجرحى وقتيل وقتلى وعفير وعفرى، ولديغ ولدغى، وكذلك لك من أصيب في بدنه مثل مريض ومرضى وأحمق وحمقى وسكران وسكرى. ومن قرأ أسارى شبهه بكسالى وقالوا كسلى شبهوه بأسرى. وأسارى في جمع أسير ليس على بابه، وقال أبو الحسن: الاسرى ما لم يكن موثقا والأسارى موثوقون. قال: والعرب لا تعرف ذلك بل هما عندهم سواء. وقال الأزهري: الأسارى جمع اسرى فهو جمع الجمع، والأسر الشد على المحارب بما يصير به في قبضة الاخذ له. واصله الشد، يقال: قتب مأسور اي مشدود وكانوا يشدون الأسير بالفداء.
والمعنى: ما كان لنبي ان يحبس كافرا للفداء والمن حتى يثخن في الأرض، والاثخان في الأرض تغليظ الحال بكثرة القتل. وقال مجاهد: الاثخان القتل.
والثخن والغلظ والكثافة نظائر. وقوله " يريدون عرض الدنيا " يعني تريدون الفداء والعرض متاع الدنيا وسماه عرضا لقلة لبثه لأنه بمعنى العرض في اللغة.
وقوله " والله يريد الآخرة " معناه والله يريد عمل الآخرة من الطاعات التي تؤدي إلى الثواب وإرادة الله لنا خير من إرادتنا لأنفسنا.
وقوله " والله عزيز حكيم " معناه يريد عمل الآخرة، فإنه يعزكم ويرشدكم إلى اصلاحكم، لأنه عزيز حكيم، فلا تخافوا قهرا مع إعزازه إياكم.
وهذه الآية نزلت في أسارى بدر قبل ان يكثر الاسلام، فلما كثر المسلمون قال الله تعالى " فاما منا بعد وإما فداء " (1) وهو قول ابن عباس وقتادة. وقال فادوهم بأربعة آلاف، وفي الآية دليل على بطلان مذهب المجبرة لأنه تعالى فصل إرادة نفسه من إرادتهم، ولو كان يريد ما أرادوه لم يصح هذا الفعل من التفصيل فان قيل: كيف يكون القتل فيهم كان أصلح وقد أسلم منهم جماعة، ومن علم الله من حاله انه يؤمن يجب تبقيته؟! قلنا: في ذلك خلاف، فمن قال:

(1) سورة 47 محمد آية 4
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست