التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٥٨
بالجر، كأنه قال أبى جوده كلمة البخل، ورواه كذا عن العرب. وقال الزجاج:
فيه وجه ثالث لا البخل على النصب بدلا من (لا) كأنه قال أبى جوده ان يقول (لا) فقال نعم. وهي حكاية في كل هذا.
الثاني - انه دخله معنى ما دعاك ان لا تسجد.
الثالث - معنى " ألا تسجد " ما الحال ان لا تسجد أو ما أحوك.
وقال الفراء لما تقدم الجحد في أول الكلام أكد بهذا، كما قال الشاعر:
ما ان رأينا مثلهن لمعشر * سود الرؤوس فوالج وفيول (9) ف‍ (ما) للنفي وان) للنفي فجمع بينهما تأكيدا.
فان قيل كيف قال " ما منعك " ولم يكن ممنوعا؟!
قلنا: لان الصارف عن الشئ بمنزلة المانع منه، كما أن الداعي إليه بمنزلة الحامل عليه.
وقوله " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " حكاية لجواب إبليس حين ذمه تعالى على الامتناع من السجود، فأجاب بما قال، وهذا الجواب غير مطابق لأنه كان يجب أن يقول معنى كذا، لان قوله " أنا خير منه " جواب لمن يقول أيكما خير، ولكن فيه معنى الجواب، ويجري ذلك مجرى أن يقول القائل لغيره: كيف كنت، فيقول أنا صالح، وكان يجب أن يقول كنت صالحا لكنه جاز ذلك، لأنه أفاد انه صالح في الحال مع ما كان صالحا فيما مضى. ووجه دخول الشبهة عليه في أنه خلقه من نار وخلق آدم من طين أنه ظن أن النار إذا كانت أشرف لم يجز أن يسجد الأشرف للأدون، وهذا خطأ، لان ذلك تابع لما يعلم الله من مصالح العباد، وما يتعلق به من اللطف

(٩) معاني القرآن 1 / 176، 374 وتفسير الطبري 12 / 325. (الفوالج) جمع (فالج) وهو الجمل ذو سنامين. و (الفيول) جمع (فيل). وكانت هذه الجمال تجلب من السند، وهي البلاد التي فيها الفيلة.
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»
الفهرست