التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٥٥
" مفاتح الغيب " معناه الأمور التي بها يستدل على الغائب فتعلم حقيقته، يقال: فتحت على الرجل، أي عرفته أولا، ويستدل به على آخر، وجملة يعرف بها التفصيل. ومنه قولهم أفتح علي أي عرفني. قال الزجاج: معناه وعنده الوصلة إلى علم الغيب وكل ما لا يعلم إذا استعلم.
وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله: ان الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت.
ومعنى الآية أن الله تعالى عالم بكل شئ من مبتدءات الأمور وعواقبها فهو يعجل ما تعجيله أصلح وأصوب، ويأخر ما تأخيره أصلح واصواب، وأنه الذي يفتح باب العلم لمن يريد إعلامه شيئا من ذلك من أنبيائه وعباده، لأنه لا يعلم الغيب سواه، فلا يتهيأ لاحد ان يعلم العباد ذلك، ولا أن يفتح لهم باب العلم به الا الله، وبين أنه يعلم ما في البر والبحر من الحيوان والجماد. وبين أنه ما تسقط من ورقة من شجرة الا يعلمها ولا حبة في جوف الأرض وفي ظلماتها الا ويعلمها ولا رطب ولا يابس جميع أصناف الأجسام، لأنها أجمع لا تخلو من احدى هاتين الصفتين.
وقوله: " وما تسقط من ورقة الا يعلمها " المعنى أنه يعلمها ساقطة وثابتة كما تقول: ما يجيئك من أحد الا وأنا أعرفه، معناه الا وانا أعرف في حال مجيئه. وقوله: " ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس " خبر على تقدير (من). ويجوز الرفع فيها على معنى ولا تسقط ورقة ولا حبة. ويجوز ان يرفعه على الابتداء ويقطعه عن الأول ويكون خبره " الا في كتاب مبين ".
وقوله: " في كتاب مبين " يحتمل أمرين:
أحدهما - أن يكون معناه في علم الله مبين.
وثانيهما - أن يكون " في كتاب مبين " أن يكون الله تعالى أثبت ذلك في
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست