فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٧
وهو مسبب الأسباب ومرتبها، فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له الأسباب التي تقوده بسلاسلها إلى الجنة ومن لا يبعد عن سماع كلام الله ورسوله والعلماء، فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف، وإذا لم يخف لم يترك الركون إلى الدنيا وإذا لم يتركه صار من حزب الشيطان * (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) * (طب عن ابن عباس وعن عمران بن حصين). قال: قال رجل يا رسول الله، أنعمل فيما جرت به المقادير وجفت به القلم أو شئ نستأنفه؟ قال: بل بما جرت به المقادير، وجف به القلم. قال: ففيم العمل، قال: اعملوا إلخ. قال: الهيثمي رجاله ثقات انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته وظاهر عدوله للطبراني واقتصاره عليه أنه لا يوجد مخرجا لأحد من السنة والأمر بخلافه فقد رواه الشيخان من حديث علي قال كنا في جنازة في بقيع الفرقد فأتانا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقعد، وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكث وجعل ينكث بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة فقالوا يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال اعملوا، كل ميسر لما خلق له. قال الطيبي: قوله مقعده أي محل قعوده وكنى عن كونه من أهل الجنة أو النار، باستقراره فيها والواو المتوسطة بينهما لا يمكن أن تجري على ظاهرها فإن ما النافية ومن الاستغراقية يقتضيان أن يكون لكل أحد مقعد من النار ومقعد من الجنة وإن ورد في حديث آخر هذا المعنى لأن التفصيل الآتي يأبى حمله على ذلك فيجب أن تكون الواو بمعنى أو قال: وقوله أفلا نتكل أي أفلا نعتمد على ما كتب لنا في الأزل ونترك العمل يعني إذا سبق القضاء لكل واحد منا بجنة أو نار فأي فائدة في السعي فإنه لا يرد القضاء والقدر فأجاب بقوله اعملوا وهو من أسلوب الحكيم منعهم عن الاتكال والترك وأمرهم بامتثال ما يجب على العبد من امتثال أمر ربه وعبوديته عاجلا وتفويض الأمر إليه آجلا. يعني أنتم عبيد ولابد لكم من العبودية بما أمرتم وإياكم والتصرف في الأمور الإلهية لآية * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * [الذاريات: 56] فلا تجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار. بل هي أمارات وعلامات. ولا بد في الإيجاب من لطف الله أو خذلانه.
1203 - (اعملوا فكل ميسر لما يهدى) يرشد (له من القول) الذي اقتضاه الله تعالى وقدره في الأزل وهو قوله تعالى * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * [الشورى: 7] فالعمل بحسب ما سبق في الأزل من التقدير كما دل عليه خبر القبضتين وقد سبق أن التوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد والخذلان ضده ولله كلية الخلق هدى وإضلالا وإظهارا لكلمته الجامعة الشاملة لمتقابلات الازدواج التي منتهاها قسمة إلى الدارين دار نور رحمني من اسمه العزيز الحليم ودار نار انتقامي من اسمه الجبار المنتقم * (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) * [الروم: 14] (طب عن عمران بن حصين) رمز المصنف لضعفه.
1204 - (اعملي) يا أم سلمة (ولا تتكلي) أي تتركي العمل وتعتمدي على ما في الذكر أو اعملي
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»