فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٤
بالدنيا وجدتم له بالبكاء وترك لكم ما كسب وتركتم عليه ما اكتسب، فعلم من هذا التقرير أن الحديث مسوق لذم من قتر على نفسه وعياله وشح بالمال أن ينفق منه في وجوه القرب وادخره لورثته.
أما من وسع على عياله وتصدق قصدا بالمعروف ثم فضل بعد ذلك شئ فادخره لعياله فلا يدخل في الذنب بدليل خبر لأن تترك ورثتك أغنياء خير إلخ، وقضيته أن من مات وخلف دينا لوارثه فلم يقبضه ثم مات الكل كان المطالب به في الآخرة الوارث، لكن صرح أئمتنا بأن المطالب فيها صاحب الحق أولا (ن عن ابن مسعود) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله اعلموا، إلخ وهو في الصحيحين بنحوه.
1197 - (أعلنوا النكاح) أي أظهروه إظهارا للسرور وفرقا بينه وبين غيره من المآدب، وهذا نهي عن نكاح السر وقد اختلف في كيفيته فقال الشافعي: كل نكاح حضره رجلان عدلان، وقال أبو حنيفة: رجلان أو رجل وامرأتان خرج عن نكاح السر وإن تواصوا بكتمانه وذهبوا إلى أن الإعلان المأمور به هو الإشهاد وقال المالكية: نكاح السر أن يتواصوا مع الشهود على كتمانه، وهو باطل فالإعلان عندهم فرض ولا يغني عنه الإشهاد والأقرب إلى ظاهر الخبر أن المراد بالإعلان إذاعته وإشاعته بين الناس وإن الأمر للندب وأخذ منه ابن قتيبة وغيره أنه لا بأس بإظهار الملاعب في المآدب وساق سنده عن الخبر أنه لما ختن بنيه أرسل عكرمة ودعا الملاعبين وأعطاهم دراهم (حم حب طب حل ك) من حديث عامر بن عبد الله (عن) عبد الله (بن الزبير) بضم الزاي وفتح الموحدة (ابن العوام) بفتح المهملة وشد الواو الصحابي ابن الصحابي أمير المؤمنين أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة، وأول شئ دخل جوفه ريق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان أطلس لا لحية له وكان صواما قواما عظيم المجاهدة بويع بالخلافة بمكة فحصره الحجاج وقتل مظلوما ورواه عنه هكذا البيهقي وقال: تفرد به عامر هذا انتهى قال الذهبي: ولم يضعف ولا هو من رجال الكتب الستة. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات ومن ثم رمز المصنف لصحته.
1198 - (أعلنوا هذا النكاح) أشيعوا عقده وأذيعوه ندبا ولا تكتموه، وليس المراد هنا الوطء بدليل تعقيبه بقوله (واجعلوه في المساجد) مبالغة في إظهاره واشتهاره فإنه أعظم محافل أهل الخير والفضل (واضربوا عليه بالدفوف) جمع دف بالضم ويفتح ما يضرب به لحادث سرور فإن قلت:
المسجد يصان عن ضرب الدفوف فيه فكيف أمر به قلت: ليس المراد أنه يضرب به فيه بل خارجه والمأمور بجعله فيه مجرد العقد فحسب وقد أفاد الخبر حل ضرب الدف في العرس ومثله كل حادث سرور ومذهب الشافعية أن الضرب به مباح مطلقا ولو بجلاجل وقد وقع الضرب به بحضرة شارع الملة ومبين الحل من الحرمة وأقره قال ابن حجر: واستدل بقوله واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»