فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٩
إذا أحسنها أحسن إليه بالقبول والتربية. ألا ترى إلى قوله في الحديث الآتي إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره حتى أن اللقمة لتصير مثل أحدا (وكان غامضا) بغين وضاد معجمتين أي خاملا لا يعرفه كل أحد، وروي بصاد مهملة وهو فاعل بمعنى مفعول أي محتقرا (في أعين الناس عجلت منيته)، أي كان قبض روحه سهلا. لأن من كثر ماله وعياله شق عليه الموت لالتفاته إلى ما خلف وطموحه إلى طيب العيش ولذة الدنيا والمنية الموت وسمي منية لأنه مقدر بوقت مخصوص (وقل تراثه) بمثناة فوقية، مضمومة مبدلة من أو ثم مثلثة أي ميراثه (وقلت) وفي رواية فقلت (بواكيه) لقلة عياله. وهوانه عليهم وهو جمع باكية ومنه حديث " اللهم غبطا لا هبطا " أي أسألك منزلة أغبط عليها لا ما يهبطني، فمن قلت بواكيه وشكرت مساعيه وأنطق الله الألسنة بالثناء فيه فخليق بأن يغبط وإنما كان قليل العيال والمال أغبط من غيره لأن الأولاد من أعدى أعداء الإنسان وكثرة المال تحمله على الطغيان، فإن فرض عدمه فذلك ضار له بطول وقوفه للحساب عليه حتى يسبقه الفقير إلى الجنة بخمسمائة عام، وإن فرض وجود عيال تحمل الرجل على فعل ممنوع شرعا وقد كفاه غيره مؤنتهم لكن ما يعرض من حادث سرور أو شرور يشغله الالتفات له عن التفرغ لعبادة ربه. وفيه حث على الخفاء وعدم الشهرة قال في الحكم: أدفن وجودك في أرض الخمول، فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه، وقيل لأعرابي من أنعم الناس عيشا قال: أنا؟ قيل فما بال الخليفة؟
فقال:
وما العيش إلا في الخمول مع الغنى * * * وعافية تغدو بها وتروح والخمول واجب في ابتداء السلوك عند الصوفية محبوب في غيره، وتختلف باختلاف المقامات، فخمول المريد عزلته عن الناس وخروجه عن أوصافه النفسانية بحيث لم يبق له ملكا ولا سلكا ولا علما ولا عملا ولا جاها ولا وجهة ولا قولا ولا فعلا وعلى أساس هذا الخمول تبنى قلعة التحصن من جند عدو النفس الشيطانية وخمول السالك إخفاء أفعاله الحسنة المتقرب بها إلى الحق فإظهار ما يناقضها حرصا على الرقي والخلاص إلى مقام الصدق بالإخلاص، وهذا التستر محمود عند ذوي الحقيقة معظم بين أهل الطريقة حتى قالوا: الخمول نعمة، وكل الناس تأباه والظهور نقمة، وكل الناس تتمناه والظهور يقطع الظهور، وفيه حجة لمن فضل الفقير على الغني (حم ت) في الزهد (ك هب) وكذا أبو نعيم (عن أبي أمامة) قال الزركشي: في اللآلئ بعد عزوه للترمذي، إسناده ضعيف وقال الصدر المناوي فيه علي بن زيد وهو ضعيف.
1207 - (أغبوا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة وضم الموحدة المشددة (في العيادة) بمثناة تحتية أي في عيادة المريض، قال الزمخشري: الإغباب أن تعوده يوما وتتركه يوما، أي فلا تلازموا المريض كل يوم لما يجد من الثقل ومنه خير زر غبا تزدد حبا (وأربعوا) هو بقطع الهمزة مفتوحة وسكون المهملة
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»