شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ٧٢
فأما قوله تعالى: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا) وقوله: إن هذا من باب الكناية وأنه تعالى كنى به عن العلم والضلال وقلوب البشر، فبعيد، والحكيم سبحانه لا يجوز أن يخاطب قوما بلغتهم، فيعمى عليهم، وأن يصطلح هو ونفسه على ألفاظ لا يفهمون المراد بها، وإنما يعلمها هو وحده، ألا ترى أنه لا يجوز أن يحمل قوله تعالى: ﴿ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين﴾ (1) على أنه أراد أنا زينا رؤوس البشر بالحواس الباطنة والظاهرة المجعولة فيها، وجعلناها بالقوى الفكرية والخيالية المركبة في الدماغ راجمة وطاردة للشبه المضلة، وإن من حمل كلام الحكيم سبحانه على ذلك، فقد نسبه إلى الألغاز والتعمية، وذلك يقدح في حكمته تعالى. والمراد بالآية المقدم ذكرها ظاهرها، والمتكلف لحملها على غيرها سخيف العقل، ويؤكد ذلك قوله تعالى:
(ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله) (2)، أفترى الحكيم سبحانه يقول: إن للذهب والفضة زبدا مثل الجهل والضلال، ويبين ذلك قوله: (كذلك يضرب الله الأمثال) (2)، فضرب سبحانه الماء الذي يبقى في الأرض، فينتفع (3) به الناس، والزبد الذي يعلو فوق الماء فيذهب جفاء مثلا للحق والباطل كما صرح به سبحانه فقال: (كذلك يضرب الله الحق والباطل (2)، ولو كانت هذه الآية من باب الكنايات، وقد كنى سبحانه بالأودية عن القلوب، وبالماء الذي أنزله من السماء عن العلم، وبالزبد عن الضلال، لما جعل تعالى هذه الألفاظ أمثالا، فإن الكناية خارجة عن باب المثل، ولهذا لا تقول إن قوله تعالى: (أو لامستم النساء) من باب المثل، ولهذا أفرد هذا الرجل في كتابه بابا آخر غير باب الكناية، سماه باب المثل، وجعلهما قسمين متغايرين في علم البيان، والامر في هذا

(١) سورة الملك ٥ (2) سورة الرعد 17 (3) ا: (لينفع).
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175